جرائم الاعتداء على الأموال
( السرقة – النصب – إعطاء شيك بدون رصيد – الاحتيال)
الباب الأول
جريمة السرقة
- تمهيد وتقسيم؛
يقوم البنيان القانوني لجريمة السرقة على شرط مسبق ( مفترض) في الجريمة يتعلق بمحل تلك الجريمة وهو أن يرد على مال منقول مملوك للغير ( وهذا هو موضوع الفصل الأول )، ثم أركان تلك الجريمة وتتمثل في وجود ركن مادي وركن معنوي ( في فصل ثان ). وسوف نقمم دراستنا لجريمة السرقة ببيان عقوبتها ( الفصل الثالث) .
- السرقة الحدية والسرقة التعزيرية:
نتناول في هذا الباب أحكام السرقة التعزيرية، أما السرقة الحدية فإن مجالها هو فرع آخر من العلوم الشرعية وهو القانون الجنائي الإسلامي. ونذكر في هذا الخصوص أن السرقة الحدية من اختصاص القضاء الشرعي وليس من اختصاص القضاء الاتحادي الذي يتخرج طلاب كلية القانون للعمل به، من هنا كان اهتمامنا بدراسة السرقة التعزيرية دون السرقة الحدية.
ويلاحظ أن محكمة الجنايات الشرعية تنظر السرقة إذا كانت حدية، فإذا لم يتوافر لها شروط السرقة الحدية قضت بعدم اختصاصها بنظرها وأحالتها لمحكمة الجنح الاتحادية( ). وتفقد السرقة صفة الحد إذا تخلف الشرط المسبق لها بأن كان المال غير متقوم أو أنه لم يبلغ النصاب أو كان مالا شائعا أو مالا عاما، أو إذا تخلف الركن المادي وهو الاختلاس خفية أو لم يكن الاختلاس من حرز أو لم تتوافر نية التملك. وقد يتوافر شرط الجريمة وأركانها ومع ذلك يدرأ الحد، إذا لم يتوافر الدليل الشرعي في إثباتها وهو وجود شاهدين عدول أو إقرار المتهم. أو إذا أقر المتهم ولكنه عدل عن إقراره في أي مرحلة من مراحل الدعوى، بل وحتى تنفيذ العقوبة.
الفصل الأول
الشرط المسبق في جريمة السرقة
يشكل المال المنقول المملوك للغير شرطا مسبقا في جريمة السرقة لا تقوم إلاّ بتوافره. فلا سرقة إلاّ إذا توافر في محلها تلك الشروط على ما سيلي بيانه .
- شروط محل السرقة :
يحمي تجريم السرقة المال المنقول المملوك للغير . فالشيء محل السرقة هو :
مال
منقول
مملوك للغير
المبحث الأول
الشرط الأول – أن يكون مالا
يلزم – حتى يكون شيئا ما مالا – أن يكون له قيمة. وحيث إن جريمة السرقة تقع على الأشياء المادية ، فإنه يلزم أيضا أن يكون المال محل السرقة ذا وجود مادي .
1 – المال ذو الوجود المادي :
تقضي القاعدة العامة بأن جريمة السرقة لا تقع على الأموال المعنوية كالأفكار والآراء والاختراعات( ). فإذا نقل مؤلف صفحات من كتاب مؤلف آخر دون إشارة إلى المصدر ، فإن ما يقع منه هو اعتداء على حق المؤلف وليس جريمة سرقة ، حتى ولو وصل الأمر به إلى أنه نقل الكتاب بأكمله ووضع عليه اسمه بدل اسم المؤلف الحقيقي. فجريمة السرقة لا تتصور إلاّ على الأموال ذات الوجود المادي .
- لا سرقة للمنافع :
يختلف المنقول عن المنفعة . ومن نتائج هذا الاختلاف أن جريمة السرقة ترد على المنقول دون المنفعة أو الخدمة التي يستفيد منها شخص دون دفع مقابلها . فمن يركب قطارا أو سيارة نقل الأشخاص" اتوبيس " دون أن يدفع الأجرة، لا يرتكب جريمة السرقة . كما لا يرتكب هذه الجريمة من يقيم في فندق أو يستقل سيارة أجرة أو يتناول الغذاء في مطعم أو يصفف شعره عند الحلاق دون أن يدفع لهم الأجر المتفق عليه، فما حصل عليه هو من قبيل الخدمة وإن كان ذلك يقترن بتسليم مواد غذائية في حالة تناول المأكولات بالمطاعم، إلاّ أن هذا التسليم كان برضاء صاحب المطعم، ومن هنا فإنه من الصعب وصف ذلك بالسرقة.
وقد حدا ذلك بالمشرع إلى سد هذه الثغرة، فأدخل المادة 395 عقوبات اتحادي لعقاب كل من " تناول طعاما أو شرابا في محل مُعد لذلك ولو كان مقيما فيه، وكذلك كل من شغل غرفة أو أكثر من فندق أو نحوه أو استأجر عربة معدة للإيجار وامتنع بغير مبرر عن دفع ما استحق عليه أو فر دون الوفاء به "( ). ويظهر من صياغة نص هذه المادة أنها لا تحمي أصحاب محلات الحلاقة. ولا يجوز القياس في مواد التجريم بسبب مبدأ الشرعية.
وقد ظهرت مشكلة قانونية إزاء ظاهرة اجتماعية تفشت في الآونة الأخيرة عندما بدأ بعض الشباب في الاستيلاء على سيارات ملاكي مؤقتا للتنزه بها ثم تركها في أي مكان يصادفهم بعد ذلك ، فهم يستفيدون من منفعة هذه السيارات، دون أن يتوافر في حقهم نية تملك السيارة. لمواجهة هذه المشكلة اتجهت بعض أحكام القضاء الفرنسي إلى أن جريمة السرقة تتوافر رغم ذلك، على أساس سرقة بنزين السيارة الذي يستهلكه الفاعل. غير أن القضاء الفرنسي أصبح يتجه حاليا إلى أن السرقة تقع على السيارة نفسها على الرغم من توافر نية ردها، إذ إن الاختلاس المكون للسرقة يقوم عند ظهور الفاعل على الشيء بمظهر المالك، لا يهم بعد ذلك التخلي عن السيارة أو إعادتها إلى صاحبها( ).
وقد حسم المشرع الاتحادي الإماراتي هذا الأمر عندما نص في المادة (394) عقوبات على أنه " يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبالغرامة التي لا تجاوز عشرة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من استعمل سيارة أو دراجة بخارية أو ما في حكمهما بغير إذن أو موافقة مالكها أو صاحب الحق في استعمالها " .
وقد سبق أن أثار ظهور الكهرباء مشكلة قانونية في فرنسا من ناحية اعتبارها منقولا يصلح محلا للسرقة، وقد طرح الأمر أمام القضاء الفرنسي لتفسير مفهوم المنقول في جريمة السرقة والذي ورد ذكره في نص قانون العقوبات الفرنسي الذي يرجع إلى سنة 1880 ، بينما يرجع ظهور الكهرباء إلى ما بعد ذلك بكثير .
وقد اعتبرت المحاكم الفرنسية الكهرباء مالا منقولا تقع السرقة باختلاسه منذ عام 1901( )، ثم أيدت محكمة النقض الفرنسية هذا الاتجاه منذ عام 1912( ). ويسير القضاء في مصر على هذا النهج في إضفاء صفة المنقول على التيار الكهربائي. هذا التيار ليس إذن من قبيل المنفعة. فليس شرطا في المنقول أن يكون مرئيا بالعين المجردة، ولكن أصبح يُكتفى بآثاره لدلالة عليه. وأصبح القضاء في مصر يستقر على قابلية التيار الكهربائي للسرقة، إذا حصل عليه المشترك دون عداد أو خارج العداد الموجود فعلا. وفي هذا تقول محكمة النقض المصرية " إن وصف المال المنقول لا يقتصر على ما كان جسما متحيزا قابلا للوزن طبقا للنظريات الطبيعية، بل هو، طبقا لأحكام القانون المدني، كل شيء ذي قيمة ممكن تملكه، وحيازته ونقله. وهذه الخصائص متوافرة في الكهرباء"( ). وعلى هذا فلا يشترط في المنقول أن يكون مجسما، بل يكفي أن يكون قابلا للانتقال والتملك.
وقد حسم المشرع الاتحادي الإماراتي مشكلة إجراء مكالمات تليفونية بدون موافقة صاحب الخط التليفوني بتجريمها بنص خاص، حسما للاختلاف في تفسير صفة المنقول. في ذلك تنص المادة (391) عقوبات اتحادي على أنه " يُعاقب بالحبس أو بالغرامة كل من اختلس بأية صورة الخدمة الهاتفية أو خدمة أخرى من خدمات الاتصالات السلكية أو اللاسلكية أو غيرها من الخدمات الحكومية الأخرى أو قام بغير وجه حق باستغلال أو استعمال أو بتحويل أو تفريغ أية خدمة من هذه الخدمات أو أي تيار أو خلافه مما يستعمل لتوصيل أو نقل هذه الخدمات " .
- لا سرقة للمعلومات :
وتثور صعوبة قانونية حول مدى تصور سرقة المعلومات. وقد فجر هذا التساؤل حكم محكمة النقض الفرنسية في 8 يناير سنة 1979المعروف بحكم Logabax الذي أنزل وصف السرقة على ما قام به عامل بإحدى الشركات من تصوير أحد مستندات الشركة وتمسكه بهذه الصورة في دعوى أقامها ضد قرار فصل كان قد صدر ضده( ). وقد استندت المحكمة في حكمها إلى أن العامل ظهر على المستند بمظهر المالك في الفترة التي قام فيها بتصوير المستند، وهذا دون رضاء من صاحبه.
وقد ترددت أحكام القضاء الفرنسي في القول بأن العامل تحصل على المعلومات التي يحتويها المستند وفي نفس الوقت وقعت في صعوبة قانونية بسبب أن العامل لم يسرق المستند نفسه ،إذ إنه تركه في مكانه دون أن يختلسه. فما قام به المتهم هو أنه تحصل على محتوى المستند أي المعلومات التي يحتويها. غير أن هذا لا يخفي حقيقة أن محكمة النقض الفرنسية أرادت عقاب هذا العامل الذي تحصل على معلومات تخص هذا الغير وتمسك بها في مواجهته. ولكنها لم تصل حتى الان إلى القول بأن السرقة تقع على المعلومات نفسها منفصلة على الدعامة التي تحتويها( ).
ومع ذلك فإن موقف محكمة النقض الفرنسية في حكمها عام 1979 جاء بعد حكم آخر لها في 7 نوفمبر سنة 1974 قضت فيه بوقوع جريمة إخفاء أشياء مسروقة من شخص تحصل على معلومات عن سر الصناعة في إحدى الشركات، ثم قام باستغلال هذه المعلومات لمصلحته في الإنتاج، الأمر الذي يكشف ترددا في اعتبار المعلومات محلا للسرقة( ).
وقد زادت الحاجة إلى الإجابة على هذه التساؤلات بسبب الزيادة في استخدام الآلات الحاسبة ( الكمبيوتر ) من جانب الشركات لاختزان وتنظيم المعلومات اللازمة لسيرها، هذا بالإضافة إلى تلقي وإرسال أوامر الشراء والبيع والدخول في المزايدات والمناقصات وتحديد أثمان الدخول في الصفقات( ). وفي نفس الوقت زادت وسائل التجسس على هذه الآلات بحيث يمكن للشركات المنافسة متابعة هذه المعلومات المختلفة أولا بأول والاستفادة منها لصالحها. فهل هذه الوسائل غير القانونية ينطبق عليها وصف السرقة؟
يتجه رأي في الفقه إلى عدم انطباق الوصف التقليدي في السرقة على هذه المظاهر لسببين : الأول – إن المعلومات ليس لها وجود مادي. الثاني – إن تلقي هذه المعلومات بوسائل التجسس المختلفة لا ينطبق عليها وصف الاختلاس ( ) .
ولحل هذا الخلاف يرى بعض الفقه – بحق - أن الأمر يستدعي تدخلا من المشرع في هذه الموضوعات التقنية الجديدة التي يصعب انصياعها لنص قديم أو غير ملائم لمعطيات التطور، وذلك بإدخال نصوص جديدة تعاقب على التداخل في أنظمة الكمبيوتر بدون وجه حق، أي أن السرقة لا تقع في حالة نسخ معلومات يحتويها كمبيوتر الغير، ولكن تقع جريمة بنص خاص( ).
2 – المال ذو قيمة :
لا تحمي السرقة إلاّ الأموال ذات القيمة. فإذا وقعت السرقة على أموال معدومة القيمة تماما ، فلا جريمة تقع إذ لا مصلحة يحميها المشرع هنا بالتجريم.
ومع ذلك فإن السرقة تتوافر إذا كان المال تافها أي قليل القيمة جدا، لأن قيمة الشيء ليست عنصرا من عناصر جريمة السرقة( ). لذا قُضي بأن المال الذي يحميه تجريم السرقة هو " كل مال له قيمة مالية ويمكن تملكه وحيازته ونقله بصرف النظر عن ضآلة قيمته، مادام ليس مجردا من كل قيمة، لأن تفاهة الشيء المسروق لا تأثير لها مادام في نظر القانون مالا"( ). وقد صدر هذا الحكم الأخير بخصوص سرقة طوابع دمغة مستعملة، وهو ما يصلح في نظر المحكمة أن يكون مالا له بعض القيمة باعتبار أنه يمكن استعمالها وبيعها والانتفاع بها بعد إزالة ما عليها من آثار.
ومن التطبيقات القضائية في هذا الخصوص ما قُضي به من وقوع جريمة السرقة إذا كان الشيء المسروق شيكات غير موقع عليها، استنادا إلى أنها وإن كانت قليلة القيمة، فهي ليست مجردة من كل قيمة( ). كما قضت محكمة التمييز بدبي بوقوع جريمة السرقة على الشيكات ولو لم يتمكن الفاعل من صرف قيمتها( ).
ويترتب على عدم اشتراط قيمة معينة في المال محل السرقة أن الحكم الذي يدين المتهم عن السرقة لا يشوبه القصور في التسبيب إن هو لم يبين قيمة الشيء محل السرقة ( ) . فقيمة الشيء المسروق ليست ركنا في جريمة السرقة( ).
وإذا كان للشيء قيمة ، حتى ولو كانت قيمة تافهة ، فإنه لا يشترط أن تكون هذه القيمة مالية . فتقع جريمة السرقة إذا كان للمال قيمة عاطفية كالخطابات المتبادلة بين الناس واللوحات ذات القيمة التاريخية وكذلك التماثيل والآثار وغير ذلك. فكل ذلك يصلح لأن يكون محلا للسرقة.
أما إذا انعدمت قيمة الشيء فلا سرقة. فقد قُضي بأنه " لا يعد سرقة ولا خيانة أمانة اختلاس تقرير مرفوع من أعضاء لجان حزب إلى مدير إدارة إحدى اللجان فيه إذا ثبت أن هذا التقرير ليس بورقة جدية ذات حرمة ولا يمكن اعتبارها متاعا للحزب يحرص عليه وأنها أنشئت لغرض خاص لا ارتباط له بأعمال الحزب، وإنما هو أثر خدعة وأداة غش ألبست ثوب ورقة لها شأن( ).
ومعنى ذلك فإنه إذا تشكك المجني عليه أن شخصا معينا يسرق مستندات تخصه ، فقام بكتابة ورقة لا تحمل معلومات ذات قيمة وإنما حررها ليقوم بضبط الفاعل متلبسا بالسرقة ، فإن هذه الورقة لا تقع باختلاسها جريمة السرقة طالما كانت معدومة القيمة ، اللهم إلاّ من قيمتها كورقة بيضاء .
المبحث الثاني
الشرط الثاني : أن يكون منقولا
أ ) تجريم السرقة لحماية المنقولات دون العقارات :
يقصد المشرع من وراء تجريم السرقة إلى حماية المنقولات فقط دون العقارات. وذلك يرجع إلى أن العقارات غير متصور سرقتها، لأنها ثابتة غير متحركة، أي لا تخضع للاختلاس. بيد أن المشرع قد وفر حمايته الجنائية للعقارات من صور أخرى للاعتداء مثل انتهاك حرمة ملك الغير (مادة 434 عقوبات اتحادي ) .
ومفهوم أن المنقول قد يكون نقودا أو أشياء أخرى كالأوراق والسندات. وقد يكون من الشيكات .
- مفهوم المنقول في القانون الجنائي والقانون المدني :
على الرغم من أن تجريم السرقة لا يحمي إلاّ المنقولات، فإن أحكام القضاء الجنائي تفسر تعبير المنقول بحيث يشمل كل ما يمكن فصله من العقارات. وفي ذلك تقول محكمة النقض "المناط في اعتبار المال منقولا قابلا للسرقة هو مجرد قابليته للنقل من مكان إلى آخر ومن يد إلى أخرى ولو لم يكن بذاته منقولا في حكم القانون المدني، كالعقارات بطبيعتها بالنسبة للأجزاء حتى يمكن انتزاعها منها " ( ) .
وعلى ذلك فإن تعبير المنقول في مفهوم جريمة السرقة يشمل الآتي:
1 – المنقول بالمعنى المعرف به في القانون المدني ، وهو كل ما يمكن نقله دون تلف .
2 – المنقول بحسب المآل وهو عقار ولكن سوف يتم فصله كالمحصولات وأنقاض المنزل قبل هدمه .
3- العقار بالتخصيص وهو منقول ولكنه خُصص لخدمة العقار، كما في حالة آلة الري المثبتة لخدمة أرض زراعية .
4- أجزاء العقار بعد فصلها منه ، مثال ذلك الباب أو الشباك في المنزل. هذه الأجزاء تصلح محلا للسرقة إذا قام الفاعل بفصلها واختلاسها( )( ).
وهكذا فإن مفهوم المنقول في جريمة السرقة يختلف عما هو مقرر في القانون المدني نظرا لاختلاف الغاية من التمييز بين العقارات والمنقولات بين القانون المدني والقانون الجنائي. فعلى حين يرمي القانون الجنائي إلى حماية الملكية، يهتم القانون المدني بأسباب نقل الملكية . فهي تكون في العقارات بالتسجيل.أما في المنقولات فإن الملكية تنتقل بمجرد التعاقد. كما أن تفسير العقد يحتاج أحيانا إلى التمييز بين العقار وبين المنقول، كما لو لم يتم تحديد مصير المنقولات المخصصة لخدمته، هل يشملها عقد بيع هذا العقار أم لا.
فإذا كان العقار أرضا زراعية فإنه لا يصلح أن يكون محلا للسرقة، غير أن هذا لا يحول دون وقوع جريمة السرقة ممن يأخذ كمية من التربة المكونة لأرض زراعية مملوكة للغير دون رضائه كما تقع السرقة ممن يأخذ هذه الأتربة من الأرض الزراعية المجاورة له ليضيفها إلى أرضه. ولا يختلف الوضع لو كان الاعتداء على الطريق العام المجاور لأرض المتهم. وتطبيقا لذلك قُضي بأن من يختلس أتربة من الطرق العمومية أو الأشجار التي تُغرس فيها يُعد سارقا( ). هذا الوصف لا يحول دون تقديم المتهم للمحاكمة بتهمة نقل الحدود الطبوغرافية ، وهي الجنحة التي تعاقب عليها المادة ( 428 ) وواضح أن هناك تعددا حقيقيا للجريمتين مع ارتباط لا يقبل التجزئة في هذا الفرض.
المبحث الثالث
الشرط الثالث – أن يكون مملوكا للغير
القاعدة – لا سرقة من مالك :
يُشترط لوقوع السرقة أن يكون المال محل السرقة مملوكا للغير. ويستوي بعد ذلك أن يكون هذا الغير شخصا طبيعيا أو معنويا، مع ملاحظة أن هذا الشخص المعنوي إذا كان هو الدولة فإن المال يصبح مالا عاما سواء أكان هذا المال منتميا إلى الدومين الخاص أم إلى الدومين العام للدولة. ويمكن أن تقع جريمة السرقة على المال العام إذا كان الفاعل غير موظف.فإذا كان موظفا عاما، فإن جريمة اختلاس الأموال الأميرية أو جريمة الاستيلاء على المال العام هي التي تقع بحسب ما إذا كان المال في حيازة الموظف أو في غير حيازته.
وتقضي القاعدة العامة بأن جريمة السرقة لا تقع من المالك الذي يسترد مالا مملوكا له كان في حيازة شخص آخر كأن يكون المالك قد أجر سيارة أو ماكينة ري وقام باستردادها قبل انتهاء مدة الإيجار. والسبب في ذلك هو أن جريمة السرقة تقع اعتداء على الملكية ، الأمر الذي لا يتوافر في هذه الحالة .
وإذا كانت ملكية الغير للمنقول شرطا مسبقا في الجريمة، فإنه إذا دفع المتهم أثناء محاكمته بأنه يمتلك المنقول محل السرقة، فإنه يتعين وقف سير الدعوى الجنائية حتى يفصل القاضي نفسه في ملكية هذا المنقول. فلا يقوم القاضي بإحالة النزاع المدني إلى المحكمة المدنية، بل يتعرض له قاضي الموضوع فاصلا في النزاع المدني المتعلق بملكية المنقول ( ) متبعا في ذلك قواعد القانون المدني( ) . وفي ذلك تنص المادة 152 أ. ج. اتحادي على أن " تتبع المحاكم الجزائية في المسائل غير الجزائية التي تفصل فيها تبعا للدعوى الجزائية طرق الإثبات المقررة في القانون الخاص".
فإذا انتهت المحكمة إلى أن الشيء ملك للمتهم، فإن عليها أن تحكم بالبراءة لانتفاء التهمة. فالواقعة لا تُعد سرقة عندئذ . لكن هذا لا يمنع من توجيه التهمة إلى المالك عن انتهاك حرمة ملك الغير إذا كان قد دخل عقارا للحصول على المنقول الذي يخصه والذي كان في حيازة شخص آخر ( ويلاحظ أن المادة 434 عقوبات اتحادي التي لاتستلزم أن يكون الدخول بقصد ارتكاب جريمة ، وانما يكفي أن يكون المكان مسكونا أو معدا للسكنى أو أحد ملحقاته خلافا لإرادة صاحب الشأن ).
وإذا كانت قواعد القانون المدني واجبة التطبيق أمام القاضي الجنائي، فإن مقتضى ذلك أن تنتقل الملكية بمجرد التعاقد إذا كان المنقول معينا بالذات. وفي حالة ما إذا كان المنقول معينا بالنوع، فإنه يتعين عندئذ أن يكون مفرزا حتى تنتقل الملكية( ). غير أن انتقال الملكية بمجرد التعاقد ليست قاعدة من النظام العام، فيجوز للطرفين أن يتفقا على مخالفتها بأن تعلق الملكية على شرط واقف أو على شرط فاسخ في حالة الثمن المؤجل كله أو على أقساط( ). على العكس من ذلك تقضي القاعدة بأن الملكية تنتقل حتى ولو كان الثمن مقسطا أو مؤجلا ، طالما أن الطرفين لم يتفقا على تعليقها. عندئذ يرتكب البائع الذي استرد السلعة دون رضاء المشتري، لأنه لم يحصل على ثمنها( ).
كما تقضي قواعد القانون المدني بانتقال الملكية للمشتري في حالة البيع المعلق على شرط فاسخ إلاّ إذا تحقق هذا الشرط فتعود ملكية هذا المنقول ثانية إلى البائع. وفي حالة البيع المعلق على شرط واقف يحتفظ البائع بملكية المنقول حتى يتحقق الشرط ، عندئذ تنتقل الملكية إلى المشتري ولا تأثير في الحالتين للحيازة على انتقال الملكية أو عدم انتقالها. فقد يتسلم المشتري المنقول ومع ذلك فإن الملكية تكون للبائع نظرا لعدم تحقق الشرط الواقف أو لتحقق الشرط الفاسخ.
ومع ذلك فقد قُضي بأن الأثر الرجعي للفسخ في القانون المدني ، في قضية بيع سيارة بالتقسيط كانت الملكية فيه معلقة على شرط فاسخ وهو عدم دفع بقية الأقساط ، حيلة قانونية تنتمي إلى القانون المدني ولا يعتد بها القاضي الجنائي. وبالتالي فلم يقر القاضي الجنائي سلطة البائع في استرداد المنقول دون رضاء الحائز ( ). أما بالنسبة لتعليق الملكية على شرط واقف فإن لا شيء يجعل القضاء الجنائي لا يعتد به.
ويلاحظ أن محكمة الموضوع منوط بها تكييف العقد تكييفا صحيحا بغض النظر عن الوصف الذي أسبغه المتعاقدان عليه، فلها أن تعتبر أن عقد الإيجار إن هو في الحقيقة إلاّ عقد بيع مؤجل أو مقسط الثمن وأن ما أسماه الطرفان عقد إيجار لتحقيق الحماية الجنائية من خيانة الأمانة ليس في حقيقته إلاّ عقد بيع. وبالتالي فإن تجريم خيانة الأمانة لا يسري في شأنه، كما أن محل العقد يصبح ملكا للمشتري ولا يجوز للبائع استرداده .
وعلى أية حال فإنه إذا كان النزاع على الملكية جديا واستولى شخص على المنقول معتقدا ملكيته له، فإن ذلك من شأنه أن ينفي القصد الجنائي، حتى وإن انتهت المحكمة إلى أن ملكية المنقول ليست له(¬ ).
2 – الاستثناء : وقوع السرقة من مالك
ترد على قاعدة لا سرقة من مالك بعض الاستثناءات التي أوردها المشرع والتي يُسأل فيها المالك عن سرقة ممتلكاته الخاصة به في حالتين:
الحالة الأولى : اختلاس الأشياء المرهونة :
تعاقب المادة (206 / 1) عقوبات اتحادي مالك الأشياء المرهونة إذا قام باختلاسها أي بالاستيلاء عليها دون موافقة الدائن المرتهن. ومن الجلي أن الأمر يتعلق بالرهن الحيازي أي الرهن الذي يرد على منقولات وتنتقل فيه الحيازة مؤقتا من يد المدين الراهن إلى حيازة الدائن الدائن المرتهن. في ذلك تنص المادة (406) عقوبات على أنه " يعاقب بالعقوبة المقررة في المادة السابقة كل من اختلس أو شرع في اختلاس منقول كان قد رهنه ضمانا لدين عليه أو على آخر ".
الحالة الثانية – اختلاس الأشياء المحجوز عليها :
تعاقب المادة ( 206/ 2) عقوبات اتحادي مالك الأشياء المحجوز عليها إذا قام باختلاسها، مادام أنه قد عُين حارسا عليها. ومن الواضح أن تلك الجريمة من الجرائم التي تقع ضد المصلحة العامة. فتنص المادة (406/ 2) على أنه " ويعاقب بالعقوبة ذاتها المالك المعين حارسا على منقولاته المحجوز عليها قضائيا أو إداريا إذا اختلس شيئا منها ".
3 – حكم الأشياء المتنازع على ملكيتها
إذا كان المنقول متنازعا عليه بين شخصين يدعي كل منهما أنه ملكا له، وكان النزاع جديا، أي كانت هناك أسباب معقولة تجعل كل منهما يطالب بحقه في هذا المنقول، وقام أحدهما باختلاسه من حيازة الآخر قبل صدور حكم قضائي يحسم مشكلة الملكية بينهما : فهل يعد هذا من قبيل السرقة ؟
الواقع أن الأمر ليس كذلك لأن جريمة السرقة تفترض أن يكون المنقول مملوكا للغير. وهذا يعني أن تكون هذه الملكية ثابتة على وجه يقيني للمجني عليه. كما أن السرقة جريمة عمدية تتطلب القصد الجنائي، الأمر الذي لا يتوافر إذا كان الفاعل يعتقد أن المال ملكا له .
4 – حكم الأشياء الشائعة :
الأموال الشائعة هي الأموال التي يمتلكها أكثر من شخص دون إفراز، كما في حالة الميراث قبل القسمة. فإذا استولى أحد الملاك على الشيوع على المال دون رضاء الآخرين، فإن جريمة السرقة تقع منه لأنه يستولي بذلك على مال مملوك للغير. وتطبيقا لك قُضي بأن الماء الذي ترفعه آلة بخارية مملوكة على الشيوع يصبح أيضا ذا ملكية مشتركة. فإذا استولى عليه أحد الملاك دون سائرهم ، فإنه يرتكب جريمة سرقة( ).
ويذهب رأي في الفقه إلى أنه لو تمت القسمة بعد فعل الاستيلاء وأصبح المنقول من نصيب الفاعل، فإن هذا ينفي فعل الاختلاس لثبوت ملكية الفاعل للمنقول وقت الاستيلاء، عملا بالأثر الرجعي للقسمة( ). غير أن الرأي الراجح في الفقه يتجه إلى عدم الاعتداد بالأثر الرجعي للقسمة اللاحقة واعتبارها حيلة قانونية تنتمي إلى القانون المدني( ).وحيث إن للقانون الجنائي ذاتية خاصة به وأن تجريم السرقة يرمي إلى حماية الملكية، وحيث إن الشيء المملوك على الشيوع ليس ملكا خالصا لأحد الشركاء، فإن فعل الاستيلاء منه يرد على منقول مملوك للغير وتقع به جريمة السرقة( ).
5 – لا سرقة لمال غير مملوك للغير
يلزم أ ن يرد الاختلاس على مال مملوك للغير حتى تقوم جريمة السرقة. لكن لا يشترط التعرف على صاحب المنقول متى استبان للمحكمة أن المنقول مملوك للغير. كما أن الخطأ في ذكر اسم صاحب هذا المنقول لا يعيب الحكم ولا يستوجب نقضه ( ).
ولكن هناك حالات تثور فيها شكوك حول ثبوت ملكية الغير للشيء محل الاختلاس ، ولك في الحالات التالية :
(أ) الأشياء المباحة :
الشيء المباح هو ما لا يمتلكه أحد، كالماء والأسماك في الأنهار وكالرمال في الصحراء. فإذا ما تملك أحد الناس بعضا من هذا، فإنه يصبح مالا مملوكا للغير وتقع باختلاسه جريمة السرقة. فاختلاس أسماك دخلت شباك أحد الصيادين يُعد سرقة حتى قبل رفعها من الماء. أما في صورتها الأولى فإنها أموال مباحة للجميع وليس في الاستيلاء عليها سرقة ، وإن كانت الدولة تتطلب أحيانا رخصة لاصطياد الأسماك والطيور في أماكن معينة. فالحصول على الأسماك والطيور بدون سبق الحصول على رخصة لا يعد اختلاسا مكونا لجريمة السرقة ولكن يُعد مخالفة للقوانين واللوائح التي اشترطت هذه الرخصة.
ويجب التفرقة بين الأموال المباحة والأموال المملوكة للدولة مثل الأشجار على الطرق العامة. فمن يقطع هذه الأشجار ويختلسها يُعد مرتكبا لجريمة السرقة علاوة على جنحة إتلاف الأشجار المملوكة للدولة. وكذلك يُعد سارقا من يختلس أتربة من الطريق العام. كما تعتبر الآثار ملكا للدولة، فهي ليست من الأشياء المباحة حتى ولو لم يكن قد تم اكتشافها. فإذا عثر شخص على شيء من هذه الآثار مدفونا في الأرض وأخذه بنية الاحتفاظ به، فإنه يرتكب جريمة السرقة ( ).
كذلك فإن الماء الذي تضخه هيئة المياه إلى المنازل ليس من الأموال المباحة، بل هو مال عام مثله في ذلك مثل الكهرباء. وتقع باختلاسه جريمة السرقة كأن يحصل عليه الفاعل دون عداد أو خارج العداد أو بإيقاف العداد.
وعلى العكس من ذلك فإن ملكية الدولة للمناجم والمحاجر هي ملكية سياسية وليست ملكية خاضعة للقانون المدني. وبالتالي فإنه لا يعد سارقا من قام باستخراج رمال أو منتجات أخرى من هذه المحاجر دون أن يحصل على الترخيص اللازم . ولكن قد تقع جريمة بنص خاص في هذه الحالة إذا وجد هذا النص، وهي جريمة مزاولة هذا النشاط بدون ترخيص. أما إذا حددت جهة عامة منطقة عمل معينة باعتبارها ملكا لها، فإن جريمة السرقة تقع باختلاس شيء منها .
(ب) الأشياء المتروكة :
الشيء المتروك هو الشيء الذي يستغني صاحبه عنه بإسقاط حيازته له بنية إنهاء ما كان له من ملكية عليه. فيصبح بذلك المال المتروك مالا مباحا يجوز لأي شخص تملكه ولا يُعد ذلك من قبيل السرقة . وتطبيقا لذلك حكم بأنه إذا تراهن شخصان على إلقاء نقود في البحر، فألقى كل منهما ورقة بعشرة جنيهات، فإنه يُعد متنازلا عنها بمحض إرادته، فإذا أخذها شخص آخر، فإنه لا يعد سارقا( ). وبالمثل فإن القمامة بالشوارع هي من المتروكات حتى ولو تعاقد المجلس البلدي مع بعض الأفراد على جمعها وبيعها. فيلزم وضع اليد عليها حتى تعتبر ملك المجلس البلدي أو ملك المتعهد( ). غير أنه قُضي بوقوع جريمة السرقة ممن قام بالاستيلاء على إيصال في سلة المهملات بعد أن مزقه صاحبه وألقاه فيها. وقد انتقد الفقه هذا القضاء على أساس أن المالك قد تخلى عنه( ) .
وقد قُضي بأنه " لا يكفي لاعتبار الشيء متروكا أن يسكت المالك عن المطالبة به أو أن يقعد عن السعي لاسترداده ، بل لا بد من أن يكون تخليه واضحا من عمل إيجابي يقوم به مقرونا بقصد النزول عنه "( ). غير أننا لا نوافق هذا الاتجاه ، وينبغي أن يُترك لقاضي الموضوع سلطة تقدير توافر أو عدم توافر نية التخلي عن ملكية الشيء. وبناء عليه فإننا نرى أنه إذا أسفر حادث سيارة عن تحطمها كلية وتركها صاحبها في العراء مدة طويلة، فإن هذا السلوك السلبي من جانبه يدل على تخليه عن ملكية هذه السيارة ، فلا تقع السرقة ممن قام بسرقة أجزاء منها.
وبالتالي فإن الدفع بأن الشيء من المتروكات دفع جوهري ويتعين على المحكمة إيراده والرد عليه، فإذا تمسك المتهم بأن الشيء محل الاختلاس هو من المتروكات ( الدشت ) ولم يعد لها مالك بعد أن تخلت عنها الحكومة، ثم أدانته المحكمة بسرقتها دون أن تتعرض لهذا الدفع وترد عليه، فإن حكمها بذلك يكون معيبا لإخلاله بالحق في الدفاع ( ). ذلك أن دفاع المتهم قد تعلق بشرط في الجريمة هو ملكية الشيء المنقول .
(جـ) الأشياء المفقودة :
لا تعتبر الأشياء المفقودة أشياء متروكة، ذلك أن قصد التخلي عنها غير قائم. ومن ثمّ فإنها تبقى مملوكة لصاحبها. بل إن قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية التي يقررها القانون المدني لا تسري على الأشياء الضائعة. فالمادة (1326/ 1 ) من القانون المدني الاتحادي تنص على أنه " 1 – استثناء من أحكام المادة السابقة يجوز لمالك المنقول والسند لحامله إذا كان قد فقد أو سرق منه أو غصب ان يسترده ممن حازه بحسن نية خلال ثلاث سنوات من تاريخ فقده أو سرقته أو غصبه وتسري على الرد أحكام المنقول المغصوب .2 – فإذا كان من يوجد الشيء المسروق أو الضائع أو المغصوب في حيازته قد اشتراه بحسن نية في سوق أو مزاد علني أو اشتراه ممن يتجر في مثله، فإن له أن يطلب ممن يسترد هذا الشيء أن يعجل له الثمن الذي دفعه".
وقد تدخل المشرع في خصوص الأشياء الضائعة وأورد بخصوصها نصا خاصا يعاقب على التقاطها بسوء نية بوصف ذلك خيانة أمانة. فتنص المادة (405) عقوبات اتحادي على أنه " يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بالغرامة التي لا تجاوز عشرين ألف درهم كل من استولى بنية التملك على مال ضائع مملوك لغيره أو على مال وقع في حيازته خطأ أو بقوة قاهرة مع علمه بذلك " .ويختلف حكم الأشياء الضائعة بحسب فروض ثلاثة :
الفرض الأول : العثور على الشيء الضائع والتقاطه بنية تملكه
الفرض الثاني : العثور على الشيء الضائع والتقاطه بدون نية تملكه أولا ثم توافر هذه النية فيما بعد .
الفرض الثالث : العثور على الشيء الضائع والتقاطه بدون نية تملكه وعدم رده بسبب النسيان أو الإهمال .
في الفرض الأول حسم القانون الاتحادي حكم هذه الحالة حيث جعل منها جريمة ملحقة بجريمة خيانة الأمانة ؛ فقد ورد التجريم بخصوصها في المادة (405) عقوبات اتحادي بعد المادة (404) وكلاهما تحت عنوان " الفصل الثالث ) خيانة الامانة وما يتصل بها ".
أما في الفرض الثاني فإننا نرى أن الامر لا يخرج عن وصف خيانة الأمانة، استنادا إلى أن من يحوز الشيء الذي التقطه يلتزم بالمحافظة عليه وتسليمه للسلطات، فهذا نوع من الأمانة القانونية، مادام أن الملتقط يعتبره القانون أمينا على الشيء منذ أن عثر عليه ، فمن باب أولى يعتبر أمينا عليه بعد أن عثر عليه .
أما في الفرض الثالث حيث لم يتوافر لدى الملتقط نية التملك وإنما أهمل في الإبلاغ عنه، فإن الأمر لا يشكل جريمة حيث إن الجريمة من نوع الجريمة العمدية.
هذه القواعد العامة التي كان يمكن أن تنطبق لولا أن المشرع تدخل بنص خاص للتجريم عن التقاط الأشياء الضائعة وقد خالف في هذا النص بعض القواعد العامة واتفق مع بعضها الآخر .
د) المال الخارج عن التعامل :
يخرج المال من دائرة التعامل في حالتين تُثار فيهما صعوبة القول بتوافر محل السرقة ، وهما :
1- المال الخارج عن دائرة التعامل بطبيعته :
يخرج الشيء بطبيعته عن التداول إذا لم يكن من المتصور أن يكون محلا للحيازة كالهواء وأشعة الشمس، فهي من الأشياء غير القابلة للتملك أصلا.
ولا يصلح الإنسان محلا للسرقة، لأن السرقة ترد على شيء والإنسان ليس كذلك. فإذا أجبر شخص على الانتقال من مكان إلى آخر، فإن هذا الفعل يقع تحت طائلة التجريم بوصف الخطف وليس بوصف السرقة أو بوصف القبض بدون أمر من الحكام المختصين( مادة 344عقوبات إماراتي).
وتثُار هنا مشكلة تداول الأعضاء البشرية في صورة التبرع بكلية شخص أو بيعها إلى آخر. يُلاحظ أن أجزاء الإنسان أيضا ليست محلا للتداول، فالإنسان قيمة وليس شيئا، وكذلك فإن أعضاء جسمه لا تدخل في التعامل أيضا. أما ما يحدث من التبرع بكلية شخص إلى آخر مقابل مبلغ من المال، فإنه يقع تحت طائلة العقاب تحت وصف الجرح المفضي إلى عاهة مستديمة ( مادة 338عقوبات اتحادي ). والوضع يختلف بالنسبة لنقل الدم، حيث جرى العرف على جواز التعامل فيه ببيعه وشرائه، والعرف يصلح أن يكون سببا للإباحة. غير أن إجبار شخص على التبرع بالدم يقع تحت طائلة التجريم بوصفه نوعا من الإيذاء ( الضرب ).
ويبقى أن القيام بالأعمال الطبية على جسم الإنسان يبيح العمليات والتشخيص والعلاج، فممارسة الأعمال الطبية سبب من أسباب الإباحة( ).
ويُلاحظ أنه إذا تمّ فصل عضو نافع من أعضاء جسم الإنسان لإعادة زرعه أو للاحتفاظ به في المعامل لإجراء التجارب عليه أو الاستعانة به في شرح الدروس للطلبة، فإن هذه الأجزاء تعتبر شيئا وبالتالي فإنها تصبح محلا للسرقة.
أما بالنسبة لرفات الإنسان الميت، فإنه لا يسري على الاستيلاء عليها وصف السرقة ، ذلك أنها غير مملوكة لأحد. فمن ينبش أحد القبور ويستولي على جمجمة المتوفى أو جزءا من هيكله العظمي ليبيعها لطلبة كلية الطب يسري في حقه تجريم من نوع خاص وضعته المادة 316 عقوبات اتحادي والتي تنص على عقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة والغرامة التي لا تجاوز عشرة آلاف درهم أو إحدى هاتين العقوبتين لكل من انتهك حرمة مكان معد لدفن الموتى أو لحفظ رفاتهم أو انتهك حرمة جثة أو رفات آدمي أو دنسها مع علمه بدلالة فعله .
2- المال الخارج عن دائرة التعامل بحكم القانون :
لا يحول دون وقوع جريمة السرقة أن يكون المال محظورا حيازته كما هو الحال في المخدرات التي تُعد حيازتها جريمة. وعلى العكس من ذلك فإنها تصلح محلا للسرقة. فإذا قام أحد الأشخاص باختلاس قطعة من المخدرات من شخص آخر، فإن وصف السرقة بالإضافة إلى حيازة هذه المادة المخدرة ينطبقان مع تعدد حقيقي للجرائم.
وما يسري على حيازة المخدرات يسري أيضا على حيازة الأشياء المسروقة أو المتحصلة من جناية أو جنحة، " فسرقة هذه الأشياء يعاقب عليها على الرغم من أن حيازتها أيضا غير مشروعة .
- بيان المال محل السرقة في حكم الإدانة :
إذا كان من المتعين أن يحدد الحكم المال محل السرقة ، فإنه لا يشترط أن يحدد مقدار قيمته على وجه الدقة. كما أنه لا يعيب الحكم أن يكون مالك المنقول مجهولا لم يتم التعرف عليه، طالما أن فاعل الاختلاس ليس هو مالك هذا المنقول( ). والخطأ في ذكر اسم المالك لا يشوب الحكم بالعيب ولا يستوجب النقض لهذا السبب( ).
( السرقة – النصب – إعطاء شيك بدون رصيد – الاحتيال)
الباب الأول
جريمة السرقة
- تمهيد وتقسيم؛
يقوم البنيان القانوني لجريمة السرقة على شرط مسبق ( مفترض) في الجريمة يتعلق بمحل تلك الجريمة وهو أن يرد على مال منقول مملوك للغير ( وهذا هو موضوع الفصل الأول )، ثم أركان تلك الجريمة وتتمثل في وجود ركن مادي وركن معنوي ( في فصل ثان ). وسوف نقمم دراستنا لجريمة السرقة ببيان عقوبتها ( الفصل الثالث) .
- السرقة الحدية والسرقة التعزيرية:
نتناول في هذا الباب أحكام السرقة التعزيرية، أما السرقة الحدية فإن مجالها هو فرع آخر من العلوم الشرعية وهو القانون الجنائي الإسلامي. ونذكر في هذا الخصوص أن السرقة الحدية من اختصاص القضاء الشرعي وليس من اختصاص القضاء الاتحادي الذي يتخرج طلاب كلية القانون للعمل به، من هنا كان اهتمامنا بدراسة السرقة التعزيرية دون السرقة الحدية.
ويلاحظ أن محكمة الجنايات الشرعية تنظر السرقة إذا كانت حدية، فإذا لم يتوافر لها شروط السرقة الحدية قضت بعدم اختصاصها بنظرها وأحالتها لمحكمة الجنح الاتحادية( ). وتفقد السرقة صفة الحد إذا تخلف الشرط المسبق لها بأن كان المال غير متقوم أو أنه لم يبلغ النصاب أو كان مالا شائعا أو مالا عاما، أو إذا تخلف الركن المادي وهو الاختلاس خفية أو لم يكن الاختلاس من حرز أو لم تتوافر نية التملك. وقد يتوافر شرط الجريمة وأركانها ومع ذلك يدرأ الحد، إذا لم يتوافر الدليل الشرعي في إثباتها وهو وجود شاهدين عدول أو إقرار المتهم. أو إذا أقر المتهم ولكنه عدل عن إقراره في أي مرحلة من مراحل الدعوى، بل وحتى تنفيذ العقوبة.
الفصل الأول
الشرط المسبق في جريمة السرقة
يشكل المال المنقول المملوك للغير شرطا مسبقا في جريمة السرقة لا تقوم إلاّ بتوافره. فلا سرقة إلاّ إذا توافر في محلها تلك الشروط على ما سيلي بيانه .
- شروط محل السرقة :
يحمي تجريم السرقة المال المنقول المملوك للغير . فالشيء محل السرقة هو :
مال
منقول
مملوك للغير
المبحث الأول
الشرط الأول – أن يكون مالا
يلزم – حتى يكون شيئا ما مالا – أن يكون له قيمة. وحيث إن جريمة السرقة تقع على الأشياء المادية ، فإنه يلزم أيضا أن يكون المال محل السرقة ذا وجود مادي .
1 – المال ذو الوجود المادي :
تقضي القاعدة العامة بأن جريمة السرقة لا تقع على الأموال المعنوية كالأفكار والآراء والاختراعات( ). فإذا نقل مؤلف صفحات من كتاب مؤلف آخر دون إشارة إلى المصدر ، فإن ما يقع منه هو اعتداء على حق المؤلف وليس جريمة سرقة ، حتى ولو وصل الأمر به إلى أنه نقل الكتاب بأكمله ووضع عليه اسمه بدل اسم المؤلف الحقيقي. فجريمة السرقة لا تتصور إلاّ على الأموال ذات الوجود المادي .
- لا سرقة للمنافع :
يختلف المنقول عن المنفعة . ومن نتائج هذا الاختلاف أن جريمة السرقة ترد على المنقول دون المنفعة أو الخدمة التي يستفيد منها شخص دون دفع مقابلها . فمن يركب قطارا أو سيارة نقل الأشخاص" اتوبيس " دون أن يدفع الأجرة، لا يرتكب جريمة السرقة . كما لا يرتكب هذه الجريمة من يقيم في فندق أو يستقل سيارة أجرة أو يتناول الغذاء في مطعم أو يصفف شعره عند الحلاق دون أن يدفع لهم الأجر المتفق عليه، فما حصل عليه هو من قبيل الخدمة وإن كان ذلك يقترن بتسليم مواد غذائية في حالة تناول المأكولات بالمطاعم، إلاّ أن هذا التسليم كان برضاء صاحب المطعم، ومن هنا فإنه من الصعب وصف ذلك بالسرقة.
وقد حدا ذلك بالمشرع إلى سد هذه الثغرة، فأدخل المادة 395 عقوبات اتحادي لعقاب كل من " تناول طعاما أو شرابا في محل مُعد لذلك ولو كان مقيما فيه، وكذلك كل من شغل غرفة أو أكثر من فندق أو نحوه أو استأجر عربة معدة للإيجار وامتنع بغير مبرر عن دفع ما استحق عليه أو فر دون الوفاء به "( ). ويظهر من صياغة نص هذه المادة أنها لا تحمي أصحاب محلات الحلاقة. ولا يجوز القياس في مواد التجريم بسبب مبدأ الشرعية.
وقد ظهرت مشكلة قانونية إزاء ظاهرة اجتماعية تفشت في الآونة الأخيرة عندما بدأ بعض الشباب في الاستيلاء على سيارات ملاكي مؤقتا للتنزه بها ثم تركها في أي مكان يصادفهم بعد ذلك ، فهم يستفيدون من منفعة هذه السيارات، دون أن يتوافر في حقهم نية تملك السيارة. لمواجهة هذه المشكلة اتجهت بعض أحكام القضاء الفرنسي إلى أن جريمة السرقة تتوافر رغم ذلك، على أساس سرقة بنزين السيارة الذي يستهلكه الفاعل. غير أن القضاء الفرنسي أصبح يتجه حاليا إلى أن السرقة تقع على السيارة نفسها على الرغم من توافر نية ردها، إذ إن الاختلاس المكون للسرقة يقوم عند ظهور الفاعل على الشيء بمظهر المالك، لا يهم بعد ذلك التخلي عن السيارة أو إعادتها إلى صاحبها( ).
وقد حسم المشرع الاتحادي الإماراتي هذا الأمر عندما نص في المادة (394) عقوبات على أنه " يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبالغرامة التي لا تجاوز عشرة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من استعمل سيارة أو دراجة بخارية أو ما في حكمهما بغير إذن أو موافقة مالكها أو صاحب الحق في استعمالها " .
وقد سبق أن أثار ظهور الكهرباء مشكلة قانونية في فرنسا من ناحية اعتبارها منقولا يصلح محلا للسرقة، وقد طرح الأمر أمام القضاء الفرنسي لتفسير مفهوم المنقول في جريمة السرقة والذي ورد ذكره في نص قانون العقوبات الفرنسي الذي يرجع إلى سنة 1880 ، بينما يرجع ظهور الكهرباء إلى ما بعد ذلك بكثير .
وقد اعتبرت المحاكم الفرنسية الكهرباء مالا منقولا تقع السرقة باختلاسه منذ عام 1901( )، ثم أيدت محكمة النقض الفرنسية هذا الاتجاه منذ عام 1912( ). ويسير القضاء في مصر على هذا النهج في إضفاء صفة المنقول على التيار الكهربائي. هذا التيار ليس إذن من قبيل المنفعة. فليس شرطا في المنقول أن يكون مرئيا بالعين المجردة، ولكن أصبح يُكتفى بآثاره لدلالة عليه. وأصبح القضاء في مصر يستقر على قابلية التيار الكهربائي للسرقة، إذا حصل عليه المشترك دون عداد أو خارج العداد الموجود فعلا. وفي هذا تقول محكمة النقض المصرية " إن وصف المال المنقول لا يقتصر على ما كان جسما متحيزا قابلا للوزن طبقا للنظريات الطبيعية، بل هو، طبقا لأحكام القانون المدني، كل شيء ذي قيمة ممكن تملكه، وحيازته ونقله. وهذه الخصائص متوافرة في الكهرباء"( ). وعلى هذا فلا يشترط في المنقول أن يكون مجسما، بل يكفي أن يكون قابلا للانتقال والتملك.
وقد حسم المشرع الاتحادي الإماراتي مشكلة إجراء مكالمات تليفونية بدون موافقة صاحب الخط التليفوني بتجريمها بنص خاص، حسما للاختلاف في تفسير صفة المنقول. في ذلك تنص المادة (391) عقوبات اتحادي على أنه " يُعاقب بالحبس أو بالغرامة كل من اختلس بأية صورة الخدمة الهاتفية أو خدمة أخرى من خدمات الاتصالات السلكية أو اللاسلكية أو غيرها من الخدمات الحكومية الأخرى أو قام بغير وجه حق باستغلال أو استعمال أو بتحويل أو تفريغ أية خدمة من هذه الخدمات أو أي تيار أو خلافه مما يستعمل لتوصيل أو نقل هذه الخدمات " .
- لا سرقة للمعلومات :
وتثور صعوبة قانونية حول مدى تصور سرقة المعلومات. وقد فجر هذا التساؤل حكم محكمة النقض الفرنسية في 8 يناير سنة 1979المعروف بحكم Logabax الذي أنزل وصف السرقة على ما قام به عامل بإحدى الشركات من تصوير أحد مستندات الشركة وتمسكه بهذه الصورة في دعوى أقامها ضد قرار فصل كان قد صدر ضده( ). وقد استندت المحكمة في حكمها إلى أن العامل ظهر على المستند بمظهر المالك في الفترة التي قام فيها بتصوير المستند، وهذا دون رضاء من صاحبه.
وقد ترددت أحكام القضاء الفرنسي في القول بأن العامل تحصل على المعلومات التي يحتويها المستند وفي نفس الوقت وقعت في صعوبة قانونية بسبب أن العامل لم يسرق المستند نفسه ،إذ إنه تركه في مكانه دون أن يختلسه. فما قام به المتهم هو أنه تحصل على محتوى المستند أي المعلومات التي يحتويها. غير أن هذا لا يخفي حقيقة أن محكمة النقض الفرنسية أرادت عقاب هذا العامل الذي تحصل على معلومات تخص هذا الغير وتمسك بها في مواجهته. ولكنها لم تصل حتى الان إلى القول بأن السرقة تقع على المعلومات نفسها منفصلة على الدعامة التي تحتويها( ).
ومع ذلك فإن موقف محكمة النقض الفرنسية في حكمها عام 1979 جاء بعد حكم آخر لها في 7 نوفمبر سنة 1974 قضت فيه بوقوع جريمة إخفاء أشياء مسروقة من شخص تحصل على معلومات عن سر الصناعة في إحدى الشركات، ثم قام باستغلال هذه المعلومات لمصلحته في الإنتاج، الأمر الذي يكشف ترددا في اعتبار المعلومات محلا للسرقة( ).
وقد زادت الحاجة إلى الإجابة على هذه التساؤلات بسبب الزيادة في استخدام الآلات الحاسبة ( الكمبيوتر ) من جانب الشركات لاختزان وتنظيم المعلومات اللازمة لسيرها، هذا بالإضافة إلى تلقي وإرسال أوامر الشراء والبيع والدخول في المزايدات والمناقصات وتحديد أثمان الدخول في الصفقات( ). وفي نفس الوقت زادت وسائل التجسس على هذه الآلات بحيث يمكن للشركات المنافسة متابعة هذه المعلومات المختلفة أولا بأول والاستفادة منها لصالحها. فهل هذه الوسائل غير القانونية ينطبق عليها وصف السرقة؟
يتجه رأي في الفقه إلى عدم انطباق الوصف التقليدي في السرقة على هذه المظاهر لسببين : الأول – إن المعلومات ليس لها وجود مادي. الثاني – إن تلقي هذه المعلومات بوسائل التجسس المختلفة لا ينطبق عليها وصف الاختلاس ( ) .
ولحل هذا الخلاف يرى بعض الفقه – بحق - أن الأمر يستدعي تدخلا من المشرع في هذه الموضوعات التقنية الجديدة التي يصعب انصياعها لنص قديم أو غير ملائم لمعطيات التطور، وذلك بإدخال نصوص جديدة تعاقب على التداخل في أنظمة الكمبيوتر بدون وجه حق، أي أن السرقة لا تقع في حالة نسخ معلومات يحتويها كمبيوتر الغير، ولكن تقع جريمة بنص خاص( ).
2 – المال ذو قيمة :
لا تحمي السرقة إلاّ الأموال ذات القيمة. فإذا وقعت السرقة على أموال معدومة القيمة تماما ، فلا جريمة تقع إذ لا مصلحة يحميها المشرع هنا بالتجريم.
ومع ذلك فإن السرقة تتوافر إذا كان المال تافها أي قليل القيمة جدا، لأن قيمة الشيء ليست عنصرا من عناصر جريمة السرقة( ). لذا قُضي بأن المال الذي يحميه تجريم السرقة هو " كل مال له قيمة مالية ويمكن تملكه وحيازته ونقله بصرف النظر عن ضآلة قيمته، مادام ليس مجردا من كل قيمة، لأن تفاهة الشيء المسروق لا تأثير لها مادام في نظر القانون مالا"( ). وقد صدر هذا الحكم الأخير بخصوص سرقة طوابع دمغة مستعملة، وهو ما يصلح في نظر المحكمة أن يكون مالا له بعض القيمة باعتبار أنه يمكن استعمالها وبيعها والانتفاع بها بعد إزالة ما عليها من آثار.
ومن التطبيقات القضائية في هذا الخصوص ما قُضي به من وقوع جريمة السرقة إذا كان الشيء المسروق شيكات غير موقع عليها، استنادا إلى أنها وإن كانت قليلة القيمة، فهي ليست مجردة من كل قيمة( ). كما قضت محكمة التمييز بدبي بوقوع جريمة السرقة على الشيكات ولو لم يتمكن الفاعل من صرف قيمتها( ).
ويترتب على عدم اشتراط قيمة معينة في المال محل السرقة أن الحكم الذي يدين المتهم عن السرقة لا يشوبه القصور في التسبيب إن هو لم يبين قيمة الشيء محل السرقة ( ) . فقيمة الشيء المسروق ليست ركنا في جريمة السرقة( ).
وإذا كان للشيء قيمة ، حتى ولو كانت قيمة تافهة ، فإنه لا يشترط أن تكون هذه القيمة مالية . فتقع جريمة السرقة إذا كان للمال قيمة عاطفية كالخطابات المتبادلة بين الناس واللوحات ذات القيمة التاريخية وكذلك التماثيل والآثار وغير ذلك. فكل ذلك يصلح لأن يكون محلا للسرقة.
أما إذا انعدمت قيمة الشيء فلا سرقة. فقد قُضي بأنه " لا يعد سرقة ولا خيانة أمانة اختلاس تقرير مرفوع من أعضاء لجان حزب إلى مدير إدارة إحدى اللجان فيه إذا ثبت أن هذا التقرير ليس بورقة جدية ذات حرمة ولا يمكن اعتبارها متاعا للحزب يحرص عليه وأنها أنشئت لغرض خاص لا ارتباط له بأعمال الحزب، وإنما هو أثر خدعة وأداة غش ألبست ثوب ورقة لها شأن( ).
ومعنى ذلك فإنه إذا تشكك المجني عليه أن شخصا معينا يسرق مستندات تخصه ، فقام بكتابة ورقة لا تحمل معلومات ذات قيمة وإنما حررها ليقوم بضبط الفاعل متلبسا بالسرقة ، فإن هذه الورقة لا تقع باختلاسها جريمة السرقة طالما كانت معدومة القيمة ، اللهم إلاّ من قيمتها كورقة بيضاء .
المبحث الثاني
الشرط الثاني : أن يكون منقولا
أ ) تجريم السرقة لحماية المنقولات دون العقارات :
يقصد المشرع من وراء تجريم السرقة إلى حماية المنقولات فقط دون العقارات. وذلك يرجع إلى أن العقارات غير متصور سرقتها، لأنها ثابتة غير متحركة، أي لا تخضع للاختلاس. بيد أن المشرع قد وفر حمايته الجنائية للعقارات من صور أخرى للاعتداء مثل انتهاك حرمة ملك الغير (مادة 434 عقوبات اتحادي ) .
ومفهوم أن المنقول قد يكون نقودا أو أشياء أخرى كالأوراق والسندات. وقد يكون من الشيكات .
- مفهوم المنقول في القانون الجنائي والقانون المدني :
على الرغم من أن تجريم السرقة لا يحمي إلاّ المنقولات، فإن أحكام القضاء الجنائي تفسر تعبير المنقول بحيث يشمل كل ما يمكن فصله من العقارات. وفي ذلك تقول محكمة النقض "المناط في اعتبار المال منقولا قابلا للسرقة هو مجرد قابليته للنقل من مكان إلى آخر ومن يد إلى أخرى ولو لم يكن بذاته منقولا في حكم القانون المدني، كالعقارات بطبيعتها بالنسبة للأجزاء حتى يمكن انتزاعها منها " ( ) .
وعلى ذلك فإن تعبير المنقول في مفهوم جريمة السرقة يشمل الآتي:
1 – المنقول بالمعنى المعرف به في القانون المدني ، وهو كل ما يمكن نقله دون تلف .
2 – المنقول بحسب المآل وهو عقار ولكن سوف يتم فصله كالمحصولات وأنقاض المنزل قبل هدمه .
3- العقار بالتخصيص وهو منقول ولكنه خُصص لخدمة العقار، كما في حالة آلة الري المثبتة لخدمة أرض زراعية .
4- أجزاء العقار بعد فصلها منه ، مثال ذلك الباب أو الشباك في المنزل. هذه الأجزاء تصلح محلا للسرقة إذا قام الفاعل بفصلها واختلاسها( )( ).
وهكذا فإن مفهوم المنقول في جريمة السرقة يختلف عما هو مقرر في القانون المدني نظرا لاختلاف الغاية من التمييز بين العقارات والمنقولات بين القانون المدني والقانون الجنائي. فعلى حين يرمي القانون الجنائي إلى حماية الملكية، يهتم القانون المدني بأسباب نقل الملكية . فهي تكون في العقارات بالتسجيل.أما في المنقولات فإن الملكية تنتقل بمجرد التعاقد. كما أن تفسير العقد يحتاج أحيانا إلى التمييز بين العقار وبين المنقول، كما لو لم يتم تحديد مصير المنقولات المخصصة لخدمته، هل يشملها عقد بيع هذا العقار أم لا.
فإذا كان العقار أرضا زراعية فإنه لا يصلح أن يكون محلا للسرقة، غير أن هذا لا يحول دون وقوع جريمة السرقة ممن يأخذ كمية من التربة المكونة لأرض زراعية مملوكة للغير دون رضائه كما تقع السرقة ممن يأخذ هذه الأتربة من الأرض الزراعية المجاورة له ليضيفها إلى أرضه. ولا يختلف الوضع لو كان الاعتداء على الطريق العام المجاور لأرض المتهم. وتطبيقا لذلك قُضي بأن من يختلس أتربة من الطرق العمومية أو الأشجار التي تُغرس فيها يُعد سارقا( ). هذا الوصف لا يحول دون تقديم المتهم للمحاكمة بتهمة نقل الحدود الطبوغرافية ، وهي الجنحة التي تعاقب عليها المادة ( 428 ) وواضح أن هناك تعددا حقيقيا للجريمتين مع ارتباط لا يقبل التجزئة في هذا الفرض.
المبحث الثالث
الشرط الثالث – أن يكون مملوكا للغير
القاعدة – لا سرقة من مالك :
يُشترط لوقوع السرقة أن يكون المال محل السرقة مملوكا للغير. ويستوي بعد ذلك أن يكون هذا الغير شخصا طبيعيا أو معنويا، مع ملاحظة أن هذا الشخص المعنوي إذا كان هو الدولة فإن المال يصبح مالا عاما سواء أكان هذا المال منتميا إلى الدومين الخاص أم إلى الدومين العام للدولة. ويمكن أن تقع جريمة السرقة على المال العام إذا كان الفاعل غير موظف.فإذا كان موظفا عاما، فإن جريمة اختلاس الأموال الأميرية أو جريمة الاستيلاء على المال العام هي التي تقع بحسب ما إذا كان المال في حيازة الموظف أو في غير حيازته.
وتقضي القاعدة العامة بأن جريمة السرقة لا تقع من المالك الذي يسترد مالا مملوكا له كان في حيازة شخص آخر كأن يكون المالك قد أجر سيارة أو ماكينة ري وقام باستردادها قبل انتهاء مدة الإيجار. والسبب في ذلك هو أن جريمة السرقة تقع اعتداء على الملكية ، الأمر الذي لا يتوافر في هذه الحالة .
وإذا كانت ملكية الغير للمنقول شرطا مسبقا في الجريمة، فإنه إذا دفع المتهم أثناء محاكمته بأنه يمتلك المنقول محل السرقة، فإنه يتعين وقف سير الدعوى الجنائية حتى يفصل القاضي نفسه في ملكية هذا المنقول. فلا يقوم القاضي بإحالة النزاع المدني إلى المحكمة المدنية، بل يتعرض له قاضي الموضوع فاصلا في النزاع المدني المتعلق بملكية المنقول ( ) متبعا في ذلك قواعد القانون المدني( ) . وفي ذلك تنص المادة 152 أ. ج. اتحادي على أن " تتبع المحاكم الجزائية في المسائل غير الجزائية التي تفصل فيها تبعا للدعوى الجزائية طرق الإثبات المقررة في القانون الخاص".
فإذا انتهت المحكمة إلى أن الشيء ملك للمتهم، فإن عليها أن تحكم بالبراءة لانتفاء التهمة. فالواقعة لا تُعد سرقة عندئذ . لكن هذا لا يمنع من توجيه التهمة إلى المالك عن انتهاك حرمة ملك الغير إذا كان قد دخل عقارا للحصول على المنقول الذي يخصه والذي كان في حيازة شخص آخر ( ويلاحظ أن المادة 434 عقوبات اتحادي التي لاتستلزم أن يكون الدخول بقصد ارتكاب جريمة ، وانما يكفي أن يكون المكان مسكونا أو معدا للسكنى أو أحد ملحقاته خلافا لإرادة صاحب الشأن ).
وإذا كانت قواعد القانون المدني واجبة التطبيق أمام القاضي الجنائي، فإن مقتضى ذلك أن تنتقل الملكية بمجرد التعاقد إذا كان المنقول معينا بالذات. وفي حالة ما إذا كان المنقول معينا بالنوع، فإنه يتعين عندئذ أن يكون مفرزا حتى تنتقل الملكية( ). غير أن انتقال الملكية بمجرد التعاقد ليست قاعدة من النظام العام، فيجوز للطرفين أن يتفقا على مخالفتها بأن تعلق الملكية على شرط واقف أو على شرط فاسخ في حالة الثمن المؤجل كله أو على أقساط( ). على العكس من ذلك تقضي القاعدة بأن الملكية تنتقل حتى ولو كان الثمن مقسطا أو مؤجلا ، طالما أن الطرفين لم يتفقا على تعليقها. عندئذ يرتكب البائع الذي استرد السلعة دون رضاء المشتري، لأنه لم يحصل على ثمنها( ).
كما تقضي قواعد القانون المدني بانتقال الملكية للمشتري في حالة البيع المعلق على شرط فاسخ إلاّ إذا تحقق هذا الشرط فتعود ملكية هذا المنقول ثانية إلى البائع. وفي حالة البيع المعلق على شرط واقف يحتفظ البائع بملكية المنقول حتى يتحقق الشرط ، عندئذ تنتقل الملكية إلى المشتري ولا تأثير في الحالتين للحيازة على انتقال الملكية أو عدم انتقالها. فقد يتسلم المشتري المنقول ومع ذلك فإن الملكية تكون للبائع نظرا لعدم تحقق الشرط الواقف أو لتحقق الشرط الفاسخ.
ومع ذلك فقد قُضي بأن الأثر الرجعي للفسخ في القانون المدني ، في قضية بيع سيارة بالتقسيط كانت الملكية فيه معلقة على شرط فاسخ وهو عدم دفع بقية الأقساط ، حيلة قانونية تنتمي إلى القانون المدني ولا يعتد بها القاضي الجنائي. وبالتالي فلم يقر القاضي الجنائي سلطة البائع في استرداد المنقول دون رضاء الحائز ( ). أما بالنسبة لتعليق الملكية على شرط واقف فإن لا شيء يجعل القضاء الجنائي لا يعتد به.
ويلاحظ أن محكمة الموضوع منوط بها تكييف العقد تكييفا صحيحا بغض النظر عن الوصف الذي أسبغه المتعاقدان عليه، فلها أن تعتبر أن عقد الإيجار إن هو في الحقيقة إلاّ عقد بيع مؤجل أو مقسط الثمن وأن ما أسماه الطرفان عقد إيجار لتحقيق الحماية الجنائية من خيانة الأمانة ليس في حقيقته إلاّ عقد بيع. وبالتالي فإن تجريم خيانة الأمانة لا يسري في شأنه، كما أن محل العقد يصبح ملكا للمشتري ولا يجوز للبائع استرداده .
وعلى أية حال فإنه إذا كان النزاع على الملكية جديا واستولى شخص على المنقول معتقدا ملكيته له، فإن ذلك من شأنه أن ينفي القصد الجنائي، حتى وإن انتهت المحكمة إلى أن ملكية المنقول ليست له(¬ ).
2 – الاستثناء : وقوع السرقة من مالك
ترد على قاعدة لا سرقة من مالك بعض الاستثناءات التي أوردها المشرع والتي يُسأل فيها المالك عن سرقة ممتلكاته الخاصة به في حالتين:
الحالة الأولى : اختلاس الأشياء المرهونة :
تعاقب المادة (206 / 1) عقوبات اتحادي مالك الأشياء المرهونة إذا قام باختلاسها أي بالاستيلاء عليها دون موافقة الدائن المرتهن. ومن الجلي أن الأمر يتعلق بالرهن الحيازي أي الرهن الذي يرد على منقولات وتنتقل فيه الحيازة مؤقتا من يد المدين الراهن إلى حيازة الدائن الدائن المرتهن. في ذلك تنص المادة (406) عقوبات على أنه " يعاقب بالعقوبة المقررة في المادة السابقة كل من اختلس أو شرع في اختلاس منقول كان قد رهنه ضمانا لدين عليه أو على آخر ".
الحالة الثانية – اختلاس الأشياء المحجوز عليها :
تعاقب المادة ( 206/ 2) عقوبات اتحادي مالك الأشياء المحجوز عليها إذا قام باختلاسها، مادام أنه قد عُين حارسا عليها. ومن الواضح أن تلك الجريمة من الجرائم التي تقع ضد المصلحة العامة. فتنص المادة (406/ 2) على أنه " ويعاقب بالعقوبة ذاتها المالك المعين حارسا على منقولاته المحجوز عليها قضائيا أو إداريا إذا اختلس شيئا منها ".
3 – حكم الأشياء المتنازع على ملكيتها
إذا كان المنقول متنازعا عليه بين شخصين يدعي كل منهما أنه ملكا له، وكان النزاع جديا، أي كانت هناك أسباب معقولة تجعل كل منهما يطالب بحقه في هذا المنقول، وقام أحدهما باختلاسه من حيازة الآخر قبل صدور حكم قضائي يحسم مشكلة الملكية بينهما : فهل يعد هذا من قبيل السرقة ؟
الواقع أن الأمر ليس كذلك لأن جريمة السرقة تفترض أن يكون المنقول مملوكا للغير. وهذا يعني أن تكون هذه الملكية ثابتة على وجه يقيني للمجني عليه. كما أن السرقة جريمة عمدية تتطلب القصد الجنائي، الأمر الذي لا يتوافر إذا كان الفاعل يعتقد أن المال ملكا له .
4 – حكم الأشياء الشائعة :
الأموال الشائعة هي الأموال التي يمتلكها أكثر من شخص دون إفراز، كما في حالة الميراث قبل القسمة. فإذا استولى أحد الملاك على الشيوع على المال دون رضاء الآخرين، فإن جريمة السرقة تقع منه لأنه يستولي بذلك على مال مملوك للغير. وتطبيقا لك قُضي بأن الماء الذي ترفعه آلة بخارية مملوكة على الشيوع يصبح أيضا ذا ملكية مشتركة. فإذا استولى عليه أحد الملاك دون سائرهم ، فإنه يرتكب جريمة سرقة( ).
ويذهب رأي في الفقه إلى أنه لو تمت القسمة بعد فعل الاستيلاء وأصبح المنقول من نصيب الفاعل، فإن هذا ينفي فعل الاختلاس لثبوت ملكية الفاعل للمنقول وقت الاستيلاء، عملا بالأثر الرجعي للقسمة( ). غير أن الرأي الراجح في الفقه يتجه إلى عدم الاعتداد بالأثر الرجعي للقسمة اللاحقة واعتبارها حيلة قانونية تنتمي إلى القانون المدني( ).وحيث إن للقانون الجنائي ذاتية خاصة به وأن تجريم السرقة يرمي إلى حماية الملكية، وحيث إن الشيء المملوك على الشيوع ليس ملكا خالصا لأحد الشركاء، فإن فعل الاستيلاء منه يرد على منقول مملوك للغير وتقع به جريمة السرقة( ).
5 – لا سرقة لمال غير مملوك للغير
يلزم أ ن يرد الاختلاس على مال مملوك للغير حتى تقوم جريمة السرقة. لكن لا يشترط التعرف على صاحب المنقول متى استبان للمحكمة أن المنقول مملوك للغير. كما أن الخطأ في ذكر اسم صاحب هذا المنقول لا يعيب الحكم ولا يستوجب نقضه ( ).
ولكن هناك حالات تثور فيها شكوك حول ثبوت ملكية الغير للشيء محل الاختلاس ، ولك في الحالات التالية :
(أ) الأشياء المباحة :
الشيء المباح هو ما لا يمتلكه أحد، كالماء والأسماك في الأنهار وكالرمال في الصحراء. فإذا ما تملك أحد الناس بعضا من هذا، فإنه يصبح مالا مملوكا للغير وتقع باختلاسه جريمة السرقة. فاختلاس أسماك دخلت شباك أحد الصيادين يُعد سرقة حتى قبل رفعها من الماء. أما في صورتها الأولى فإنها أموال مباحة للجميع وليس في الاستيلاء عليها سرقة ، وإن كانت الدولة تتطلب أحيانا رخصة لاصطياد الأسماك والطيور في أماكن معينة. فالحصول على الأسماك والطيور بدون سبق الحصول على رخصة لا يعد اختلاسا مكونا لجريمة السرقة ولكن يُعد مخالفة للقوانين واللوائح التي اشترطت هذه الرخصة.
ويجب التفرقة بين الأموال المباحة والأموال المملوكة للدولة مثل الأشجار على الطرق العامة. فمن يقطع هذه الأشجار ويختلسها يُعد مرتكبا لجريمة السرقة علاوة على جنحة إتلاف الأشجار المملوكة للدولة. وكذلك يُعد سارقا من يختلس أتربة من الطريق العام. كما تعتبر الآثار ملكا للدولة، فهي ليست من الأشياء المباحة حتى ولو لم يكن قد تم اكتشافها. فإذا عثر شخص على شيء من هذه الآثار مدفونا في الأرض وأخذه بنية الاحتفاظ به، فإنه يرتكب جريمة السرقة ( ).
كذلك فإن الماء الذي تضخه هيئة المياه إلى المنازل ليس من الأموال المباحة، بل هو مال عام مثله في ذلك مثل الكهرباء. وتقع باختلاسه جريمة السرقة كأن يحصل عليه الفاعل دون عداد أو خارج العداد أو بإيقاف العداد.
وعلى العكس من ذلك فإن ملكية الدولة للمناجم والمحاجر هي ملكية سياسية وليست ملكية خاضعة للقانون المدني. وبالتالي فإنه لا يعد سارقا من قام باستخراج رمال أو منتجات أخرى من هذه المحاجر دون أن يحصل على الترخيص اللازم . ولكن قد تقع جريمة بنص خاص في هذه الحالة إذا وجد هذا النص، وهي جريمة مزاولة هذا النشاط بدون ترخيص. أما إذا حددت جهة عامة منطقة عمل معينة باعتبارها ملكا لها، فإن جريمة السرقة تقع باختلاس شيء منها .
(ب) الأشياء المتروكة :
الشيء المتروك هو الشيء الذي يستغني صاحبه عنه بإسقاط حيازته له بنية إنهاء ما كان له من ملكية عليه. فيصبح بذلك المال المتروك مالا مباحا يجوز لأي شخص تملكه ولا يُعد ذلك من قبيل السرقة . وتطبيقا لذلك حكم بأنه إذا تراهن شخصان على إلقاء نقود في البحر، فألقى كل منهما ورقة بعشرة جنيهات، فإنه يُعد متنازلا عنها بمحض إرادته، فإذا أخذها شخص آخر، فإنه لا يعد سارقا( ). وبالمثل فإن القمامة بالشوارع هي من المتروكات حتى ولو تعاقد المجلس البلدي مع بعض الأفراد على جمعها وبيعها. فيلزم وضع اليد عليها حتى تعتبر ملك المجلس البلدي أو ملك المتعهد( ). غير أنه قُضي بوقوع جريمة السرقة ممن قام بالاستيلاء على إيصال في سلة المهملات بعد أن مزقه صاحبه وألقاه فيها. وقد انتقد الفقه هذا القضاء على أساس أن المالك قد تخلى عنه( ) .
وقد قُضي بأنه " لا يكفي لاعتبار الشيء متروكا أن يسكت المالك عن المطالبة به أو أن يقعد عن السعي لاسترداده ، بل لا بد من أن يكون تخليه واضحا من عمل إيجابي يقوم به مقرونا بقصد النزول عنه "( ). غير أننا لا نوافق هذا الاتجاه ، وينبغي أن يُترك لقاضي الموضوع سلطة تقدير توافر أو عدم توافر نية التخلي عن ملكية الشيء. وبناء عليه فإننا نرى أنه إذا أسفر حادث سيارة عن تحطمها كلية وتركها صاحبها في العراء مدة طويلة، فإن هذا السلوك السلبي من جانبه يدل على تخليه عن ملكية هذه السيارة ، فلا تقع السرقة ممن قام بسرقة أجزاء منها.
وبالتالي فإن الدفع بأن الشيء من المتروكات دفع جوهري ويتعين على المحكمة إيراده والرد عليه، فإذا تمسك المتهم بأن الشيء محل الاختلاس هو من المتروكات ( الدشت ) ولم يعد لها مالك بعد أن تخلت عنها الحكومة، ثم أدانته المحكمة بسرقتها دون أن تتعرض لهذا الدفع وترد عليه، فإن حكمها بذلك يكون معيبا لإخلاله بالحق في الدفاع ( ). ذلك أن دفاع المتهم قد تعلق بشرط في الجريمة هو ملكية الشيء المنقول .
(جـ) الأشياء المفقودة :
لا تعتبر الأشياء المفقودة أشياء متروكة، ذلك أن قصد التخلي عنها غير قائم. ومن ثمّ فإنها تبقى مملوكة لصاحبها. بل إن قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية التي يقررها القانون المدني لا تسري على الأشياء الضائعة. فالمادة (1326/ 1 ) من القانون المدني الاتحادي تنص على أنه " 1 – استثناء من أحكام المادة السابقة يجوز لمالك المنقول والسند لحامله إذا كان قد فقد أو سرق منه أو غصب ان يسترده ممن حازه بحسن نية خلال ثلاث سنوات من تاريخ فقده أو سرقته أو غصبه وتسري على الرد أحكام المنقول المغصوب .2 – فإذا كان من يوجد الشيء المسروق أو الضائع أو المغصوب في حيازته قد اشتراه بحسن نية في سوق أو مزاد علني أو اشتراه ممن يتجر في مثله، فإن له أن يطلب ممن يسترد هذا الشيء أن يعجل له الثمن الذي دفعه".
وقد تدخل المشرع في خصوص الأشياء الضائعة وأورد بخصوصها نصا خاصا يعاقب على التقاطها بسوء نية بوصف ذلك خيانة أمانة. فتنص المادة (405) عقوبات اتحادي على أنه " يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بالغرامة التي لا تجاوز عشرين ألف درهم كل من استولى بنية التملك على مال ضائع مملوك لغيره أو على مال وقع في حيازته خطأ أو بقوة قاهرة مع علمه بذلك " .ويختلف حكم الأشياء الضائعة بحسب فروض ثلاثة :
الفرض الأول : العثور على الشيء الضائع والتقاطه بنية تملكه
الفرض الثاني : العثور على الشيء الضائع والتقاطه بدون نية تملكه أولا ثم توافر هذه النية فيما بعد .
الفرض الثالث : العثور على الشيء الضائع والتقاطه بدون نية تملكه وعدم رده بسبب النسيان أو الإهمال .
في الفرض الأول حسم القانون الاتحادي حكم هذه الحالة حيث جعل منها جريمة ملحقة بجريمة خيانة الأمانة ؛ فقد ورد التجريم بخصوصها في المادة (405) عقوبات اتحادي بعد المادة (404) وكلاهما تحت عنوان " الفصل الثالث ) خيانة الامانة وما يتصل بها ".
أما في الفرض الثاني فإننا نرى أن الامر لا يخرج عن وصف خيانة الأمانة، استنادا إلى أن من يحوز الشيء الذي التقطه يلتزم بالمحافظة عليه وتسليمه للسلطات، فهذا نوع من الأمانة القانونية، مادام أن الملتقط يعتبره القانون أمينا على الشيء منذ أن عثر عليه ، فمن باب أولى يعتبر أمينا عليه بعد أن عثر عليه .
أما في الفرض الثالث حيث لم يتوافر لدى الملتقط نية التملك وإنما أهمل في الإبلاغ عنه، فإن الأمر لا يشكل جريمة حيث إن الجريمة من نوع الجريمة العمدية.
هذه القواعد العامة التي كان يمكن أن تنطبق لولا أن المشرع تدخل بنص خاص للتجريم عن التقاط الأشياء الضائعة وقد خالف في هذا النص بعض القواعد العامة واتفق مع بعضها الآخر .
د) المال الخارج عن التعامل :
يخرج المال من دائرة التعامل في حالتين تُثار فيهما صعوبة القول بتوافر محل السرقة ، وهما :
1- المال الخارج عن دائرة التعامل بطبيعته :
يخرج الشيء بطبيعته عن التداول إذا لم يكن من المتصور أن يكون محلا للحيازة كالهواء وأشعة الشمس، فهي من الأشياء غير القابلة للتملك أصلا.
ولا يصلح الإنسان محلا للسرقة، لأن السرقة ترد على شيء والإنسان ليس كذلك. فإذا أجبر شخص على الانتقال من مكان إلى آخر، فإن هذا الفعل يقع تحت طائلة التجريم بوصف الخطف وليس بوصف السرقة أو بوصف القبض بدون أمر من الحكام المختصين( مادة 344عقوبات إماراتي).
وتثُار هنا مشكلة تداول الأعضاء البشرية في صورة التبرع بكلية شخص أو بيعها إلى آخر. يُلاحظ أن أجزاء الإنسان أيضا ليست محلا للتداول، فالإنسان قيمة وليس شيئا، وكذلك فإن أعضاء جسمه لا تدخل في التعامل أيضا. أما ما يحدث من التبرع بكلية شخص إلى آخر مقابل مبلغ من المال، فإنه يقع تحت طائلة العقاب تحت وصف الجرح المفضي إلى عاهة مستديمة ( مادة 338عقوبات اتحادي ). والوضع يختلف بالنسبة لنقل الدم، حيث جرى العرف على جواز التعامل فيه ببيعه وشرائه، والعرف يصلح أن يكون سببا للإباحة. غير أن إجبار شخص على التبرع بالدم يقع تحت طائلة التجريم بوصفه نوعا من الإيذاء ( الضرب ).
ويبقى أن القيام بالأعمال الطبية على جسم الإنسان يبيح العمليات والتشخيص والعلاج، فممارسة الأعمال الطبية سبب من أسباب الإباحة( ).
ويُلاحظ أنه إذا تمّ فصل عضو نافع من أعضاء جسم الإنسان لإعادة زرعه أو للاحتفاظ به في المعامل لإجراء التجارب عليه أو الاستعانة به في شرح الدروس للطلبة، فإن هذه الأجزاء تعتبر شيئا وبالتالي فإنها تصبح محلا للسرقة.
أما بالنسبة لرفات الإنسان الميت، فإنه لا يسري على الاستيلاء عليها وصف السرقة ، ذلك أنها غير مملوكة لأحد. فمن ينبش أحد القبور ويستولي على جمجمة المتوفى أو جزءا من هيكله العظمي ليبيعها لطلبة كلية الطب يسري في حقه تجريم من نوع خاص وضعته المادة 316 عقوبات اتحادي والتي تنص على عقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة والغرامة التي لا تجاوز عشرة آلاف درهم أو إحدى هاتين العقوبتين لكل من انتهك حرمة مكان معد لدفن الموتى أو لحفظ رفاتهم أو انتهك حرمة جثة أو رفات آدمي أو دنسها مع علمه بدلالة فعله .
2- المال الخارج عن دائرة التعامل بحكم القانون :
لا يحول دون وقوع جريمة السرقة أن يكون المال محظورا حيازته كما هو الحال في المخدرات التي تُعد حيازتها جريمة. وعلى العكس من ذلك فإنها تصلح محلا للسرقة. فإذا قام أحد الأشخاص باختلاس قطعة من المخدرات من شخص آخر، فإن وصف السرقة بالإضافة إلى حيازة هذه المادة المخدرة ينطبقان مع تعدد حقيقي للجرائم.
وما يسري على حيازة المخدرات يسري أيضا على حيازة الأشياء المسروقة أو المتحصلة من جناية أو جنحة، " فسرقة هذه الأشياء يعاقب عليها على الرغم من أن حيازتها أيضا غير مشروعة .
- بيان المال محل السرقة في حكم الإدانة :
إذا كان من المتعين أن يحدد الحكم المال محل السرقة ، فإنه لا يشترط أن يحدد مقدار قيمته على وجه الدقة. كما أنه لا يعيب الحكم أن يكون مالك المنقول مجهولا لم يتم التعرف عليه، طالما أن فاعل الاختلاس ليس هو مالك هذا المنقول( ). والخطأ في ذكر اسم المالك لا يشوب الحكم بالعيب ولا يستوجب النقض لهذا السبب( ).