نظام منظمة الأمم المتحدة
لحماية حقوق الإنسان
بدأت حركة تجميع و تقنين حقوق الإنسان مع جيل الحرب العالمية الثانية, و مع نشأت منظمة الأمم المتحدة سنة 1945 الذي أعطى ميثاقها لأول مرة قيمة عالمية لمبادئ حقوق الإنسان, و شدد على العلاقة الوثيقة بينها و بين صون السلم و الأمن الدوليين, و تعزيز التنمية الاجتماعية و الاقتصادية, فجاءت الفقرة 3 من المادة الأولى من الميثاق لتوضح أن أحد مقاصد هذه المنظمة هو " تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصيغة الاقتصادية و الثقافية و الإنسانية و على تعزيز احترام حقوق الإنسان و الحريات الأساسية للناس جميعا و التشجيع على ذلك إطلاقا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين و لا تفريق بين الرجال و النساء " . وسعيا لتحقيق هذه الأهداف " يتعهد جميع الأعضاء بأن يقوموا منفردين أو مشتركين, بما يجب عليهم من عمل, بالتعاون مع الهيئة لإدراك المقاصد المنصوص عليها في المادة الخامسة و الخمسين" بما في ذلك العمل على أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان و الحريات الأساسية للجميع, بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين, و لا تفريق بين الرجال و النساء, و مراعاة تلك الحقوق و الحريات فعلا " .
ما فتئت حركة حقوق الإنسان, بعد تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10كانون الأول/ ديسمبر 1948, تتقدم و تتطور على الصعيد العالمي و الإقليمي.
و قد ظهر على صعيد الأمم المتحدة عدد لابأس به من الصكوك و الآليات في مجال حماية و تطوير حقوق الإنسان شكلت ما يعرف اليوم بمنظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
آليات منظمة الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان
قامت منظمة الأمم المتحدة منذ تأسيسها سنة 1945 من انشأ نظام لحماية حقوق الإنسان, ركيزته عدد لا بأس به من المواثيق, و الصكوك التي تعتمد من أجل تنفيذها على نوعين من الآليات: تعاهدية و غير تعاهدية, و مازال هذا النظام في تطور مستمر من أجل تفعيل هذه الآليات و الوصول بها إلى المبتغى و هو تعزيز و حماية حقوق الإنسان على وجه المعمورة.
- الآليات التعاهدية لحماية حقوق الإنسان
من بين العديد من اتفاقيات حقوق الإنسان التي تبنتها الأمم المتحدة هناك 9 اتفاقيات فقط تنص على آليات للتطبيق التي هي عبارة عن لجان تسهر على تنفيذ بنود هذه الاتفاقيات و هي:
1ـ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري. اعتمدت من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21/12/1965, ودخلت حيز التنفيذ في 4/1/1969. أنشأت لجنة تسمى " لجنة القضاء على التمييز العنصري ".
2ـ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي أعتمد في 16/12/1966, ودخل حيز التنفيذ في 23/3/1976. أنشأ لجنة تسمى " اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ".
3ـ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية الذي أعتمد في 16/12/1966, ودخل حيز التنفيذ في 3/1/1976. أنشأ المجلس الاجتماعي والاقتصادي لجنة تسهر على تنفيذ بنود هذا العهد وفقا لقراره رقم 17/1985 بتاريخ 28/5/1985 وتسمى هذه اللجنة " اللجنة المعنية بشأن الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ".
4ـ الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري و المعاقبة عليها التي اعتمدت في 30/11/1973, ودخلت حيز التنفيذ في 18/7/1976. أنشأت لجنة تسمى " الفريق الثلاثي لقمع جريمة الفصل العنصري و المعاقبة عليها ".
5ـ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي اعتمدت في 18/12/1979, و دخلت حيز التنفيذ في 3/9/1981. أنشأت لجنة تسمى " لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة ".
6ـ اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة, اعتمدت في 10/12/1984, ودخلت حيز التنفيذ في 3/9/1987. أنشأت لجنة تسمى " لجنة مناهضة التعذيب ".
7ـ اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدت في 20/11/1989, ودخلت حيز التنفيذ في 2/9/1990. أنشأت لجنة تسمى " اللجنة المعنية بحقوق الطفل ".
8ـ الاتفاقية الدولية لمناهضة الفصل العنصري في الألعاب الرياضية التي اعتمدت في 10/12/1985, ودخلت حيز التنفيذ في 3/4/1988. أنشأت لجنة تسمى " لجنة مناهضة الفصل العنصري في الألعاب ".
9ـ الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم التي اعتمدت في 18/12/1990 , ودخلت حيز التنفيذ في 1/7/2003. أنشأت لجنة تسمى " لجنة حماية حقوق جميع العمال المهاجرين و أفراد أسرهم ".
تتألف هذه اللجان من خبراء مستقلين من ذوي المكانة الخلقية الرفيعة والمشهود لهم بالكفاءة العالية في ميدان حقوق الإنسان. ينتخبون من قبل الدول الأطراف في الاتفاقية لمدة 4 سنوات, يتراوح عدد خبراء اللجان من 18 عضو في أغلب اللجان إلى 10 في لجنة مناهضة التعذيب إلى 23 في لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة و 15 في لجنة مناهضة الفصل العنصري في الألعاب.
أما اختصاصات هذه اللجان فهي متنوعة ومتعددة. قد يتشابه بعضها وقد تنفرد بعض اللجان ببعض الاختصاصات . لكن في ضوء التطور الحاصل على هذه الآليات و التنسيق فيما بينها في اجتماعات رؤساءها سنويا, قد تعمم كل الاختصاصات وتتوسع على كل اللجان. هذا ما نطمح إليه في المستقبل القريب.
أولا: الاختصاصات المشتركة بين اللجان
إن أهم الاختصاصات التي تشترك فيها اللجان أو غالبيتها هي:اختصاص دراسة التقارير و إصدار تعليقات عامة تفسر بنود الاتفاقية أو بعضها.
ا) دراسة التقارير
تمثل الوظيفة الأساسية للجنة في رصد تنفيذ الدول الأطراف لبنود الاتفاقية وذلك عن طريق دراسة التقارير المقدمة من الدول الأطراف دوريا وتسعى اللجنة من خلال هذه الدراسة إلى إقامة حوار بناء مع الدول الأطراف, وتحاول باستخدام مجموعة من الوسائل, تحديد ما إذا كانت المعايير الواردة في الاتفاقية مطبقة أم لا, و التعرف على الصعوبات و العراقيل بغية تقديم المساعدة عن طريق الاقتراحات و التوصيات التي ترفع إلى الدول والى الجمعية العامة عن طريق المجلس الاقتصادي والاجتماعي في التقرير السنوي.
رغم أن هذه الآلية تعاني من عدة عراقيل كعدم التزام الدول بتقديم تقاريرها أو التأخير في تقديم هذه التقارير و كذلك نوعية التقارير الرديئة و غير الكافية إلى جانب غياب هذه الآلية في عدة معاهدات حقوق الإنسان الهامة جدا كاتفاقية الوقاية و معاقبة جريمة الإبادة لسنة 1948 والاتفاقية الخاصة بالرق لسنة 1926 وغيرها.
إلا أننا نستطيع الجزم بان هذه الآلية تؤدي عدة وظائف مهمة لترقية وحماية حقوق الإنسان كوظيفة الاستعراض الأولي ووظيفة الرصد ووظيفة رسم السياسات ووظيفة الرقابة العامة ووظيفة التقييم ووظيفة الاعتراف بالمشاكل ووظيفة تبادل المعلومات .
ب) إصدار التعليقات
لقد لاحظت العديد من اللجان خلال مناقشتها لعدد من المسؤولين عند تقديم تقارير حكوماتهم تفاوتا واضحا في تفسير عدد من مواد الاتفاقية, و انطلاقا من كون أحد المهام المكلفة بها هذه اللجان هي إعداد التعليقات العامة على مواد الاتفاقية كلما دعت الحاجة و الضرورة إلى ذلك, بدأت هذه اللجان بإصدار شروح و تفاسير لبنود الاتفاقية لإزالة كل لبس و شك يتعلق بهدف و معنى و مضمون الاتفاقية. فضلا عن تحديد معاني المصطلحات الواردة بها.
يعتبر إصدار التعليقات مساهمة فعالة و وسيلة حاسمة الأهمية لإيجاد فقه وفهم مشترك لمواد الاتفاقية عند تطبيقها و عند إعداد التقارير و توفير أسلوب يسمح لأعضاء اللجان بالتوصل إلى اتفاق بتوافق الآراء فيما يتعلق بتفسير المعايير التي تجسدها الاتفاقية
ثانيا: الاختصاصات الخاصة ببعض اللجان
و تشمل هذه الاختصاصات مسألة التحقيق و تقصي الحقائق واستلام البلاغات الحكومية و استلام البلاغات الفردية. لكن من المؤسف أن بعض اتفاقيات حقوق الإنسان لا تشتمل على هذه الاختصاصات مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية و الاجتماعية و التقافية لعام 1966 و اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989م وكان الأجدر تعميمها على كل اتفاقيات حقوق الإنسان.
ا) التحقيق و تقصي الحقائق
يقتصر هذا الإجراء فقط على لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة بموجب المادة 8 من البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة و على لجنة مناهضة التعذيب بمقتضى المادة 20 من اتفاقية مناهضة التعذيب. حيث أنه إذا تلقت اللجنة معلومات موثوقا بها ترى أنها تتضمن دلائل لها أساس قوي تشير إلى أن انتهاكات تمارس على نحو منتظم في أراضي دولة طرف ـ طالما لم تعلن الدولة المعنية إنها لا تعترف باختصاص اللجنة في هذا الشأن ـ فإنها تدعو الدولة الطرف المعنية إلى التعاون في دراسة هذه المعلومات, و تحقيقا لهذه الغاية إلى تقديم ملاحظات بصدد تلك المعلومات و إذا استوجبت ضرورة التحقيق, فانه يحق للجنة إيفاد عضو أو أكثر من أعضاءها إلى أراضي البلد المعني للالتقاء بالسلطات المعنية و ممثلي المنظمات غير الحكومية, و يقومون بزيارة أماكن الانتهاك وغيرها. و في هذه الزيارات الميدانية تسعى اللجنة دائما للحصول على موافقة الدولة المعنية.
ب) استلام البلاغات أو الشكاوى
سواء كانت من الحكومات أو من الأفراد. إن هذا الاختصاص تنفرد به 5 لجان تعاهدية هي كالآتي:
ـ " لجنة القضاء على التمييز العنصري ", بموجب الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي اعتمدت في 21/12/1965 ودخلت حيز التنفيذ في 4/1/1969.
ـ " اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ", بموجب البرتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية الذي اعتمد في 16/12/1966 ودخل حيز التنفيذ في 23/3/1976.
ـ " لجنة مناهضة التعذيب ", بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب وغير من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي اعتمدت في 10/12/1984 و دخلت حيز التنفيذ في 3/9/1987.
ـ " لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة ", بموجب البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الذي اعتمد في 6/10/1999 ودخل حيز التنفيذ في 27/12/2000.
ـ " لجنة حماية حقوق جميع العمال المهاجرين و أفراد أسرهم ", بموجب الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين و أفراد أسرهم التي اعتمدت في 18/12/1990 ودخلت حيز التنفيذ في 1/7/2003
في إطار العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية أعدت اللجنة مشروع برتوكول اختياري يسمح بتقديم البلاغات لكنه لم يعتمد رسميا بعد.
إن هذه اللجان أعلاه تختص كلها في النظر في البلاغات أو الشكاوى و على الرغم من وجود بعض الاختلافات الإجرائية بين الآليات الخمسة. إلا إنها متشابهة كثيرا من حيث تصميمها وعملها. وتتلخص مراحل سير الشكاوى الفردية من النظر في القبول الشكلي لها الى دراسة موضوعها و تحديد الوقائع تم إصدار توصيات بشأنها ترفع الى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
- الآليات غير التعاهدية
منذ تأسيسها تلقت لجنة حقوق الإنسان كما هائلا من الشكاوى الفردية و الجماعية حول انتهاكات حقوق الإنسان في العديد من الدول فما بين 1947 ـ 1957 تلقت ما يقرب من 65000 شكوى وهذا العدد تزايد ليصل بعض المرات إلى 20000 شكوى في السنة. لكن لم تستطع لجنة حقوق الإنسان من دراستها و ذلك راجع لعدم اختصاصها في المسألة ولعدم وجود أساس قانوني يسمح لها بذلك. وظلت الأمور على هذه الحال مدة 20 سنة حتى عام 1967 عندما سمح للجنة حقوق الإنسان ولجنتها الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات من دراسة مسألة انتهاكات حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في أي جزء من العالم وذلك وفقا للقرارين الشهرين للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي : القرار رقم 1235 الصادر في 6 جوان 1967 الخاص بإنشاء مقررين خاصين و فرق عمل و القرار 1503 الصادر في 27 مايو 1970 الخاص بالبلاغات الفردية. كما سمح المجلس الاقتصادي و الاجتماعي أيضا في العديد من قراراته للجنة مركز المرأة بتلقي و دراسة الشكاوى الخاصة بالانتهاكات الجائرة و التمييزية ضد المرأة.
أولا: الإجراء 1503 ( الإجراء السري )
وسمي بالإجراء 1503 في الإشارة إلى رقم قرار المجلس الاقتصادي و الاجتماعي الذي أنشأه . وهو إجراء سري يسمح بتلقي و دراسة الشكاوى التي تكشف بالأدلة الموثوقة عن نمط ثابت من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان, في أي دولة في العالم سواء كانت عضو في الأمم المتحدة أم لا وسواء وقعت أو صادقت على اتفاقيات حقوق الإنسان أم لا.
و قد أدخلت لجنة حقوق الإنسان في دورتها السادسة و الخمسون التي انعقدت سنة 2000 تعديلا كبيرا على هذا الإجراء و قام المجلس الاقتصادي و الاجتماعي باعتماد مشروع هذا التعديل في قراره 2000/3 المؤرخ في 16 حزيران/ يونيه 2000. و المشروح أدناه هو ما يسمى الإجراء 1503 المنقح. و تمر هذه الشكاوى عبر مراحل عديدة تتمثل في تقديم الشكوى إلى الفريق العامل المعني بالرسائل لدى اللجنة الفرعية لحماية و تطوير حقوق الإنسان تم إلى لجنة حقوق الإنسان التي تقوم بمعالجة الشكوى عبر عدة خيارات أهمها:
ـ إما شطب الشكوى و إسقاطها من الإجراءات ,
ـ الاحتفاظ بها قيد الدارسة في الدورة الثالية,
ـ الاحتفاظ بها قيد الاستعراض و تعين خبيرا مستقلا,
ـ إجراء تحقيق بشأنها و تعين لجنة لهذا الغرض شريطة موافقة الدولة صراحة و تقوم اللجنة بعرض تقريرها أمام لجنة حقوق الإنسان, وهذا الإجراء ناذر الاستعمال,
ـ إيقاف النظر في المسألة في إطار الإجراء 1503 ( الإجراء السري ) و تناولها بدلا عن ذلك في إطار الإجراء 1235 ( الإجراء العلني ) كتعين مثلا مقررا خاصا مثلما فعلت بالنسبة لغينيا الاستوائية,
ـ رفع توصية بشأنها إلى المجلس الاقتصادي و الاجتماعي, مثلما فعلت ذلك بالنسبة لهايتي.
ثالثا: الإجراء 1235
لقد ثم إنشاء هذا الإجراء وفقا للقرار 1235 الصادر عن المجلس الاقتصادي و الاجتماعي في 6 جوان 1967 و يعرف هذا الإجراء باسم الإجراء 1235 أو الإجراءات الخاصة.
إن الإجراءات الخاصة تجمع مجموعة من المقررين الخاصين وفرق عمل وممثلين و خبراء. وهذه الإجراءات ليست منبثقة عن معاهدات. بل يعنون هؤلاء الخبراء من طرف لجنة حقوق الإنسان و يهتمون بدراسة المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان وكذلك بأوضاع خاصة في دولة معينة و يقترحون في هذه الوضعية السبل و الإمكانيات لتطوير و حماية حقوق الإنسان.
إن الإجراءات الخاصة هي القلب النابض داخل المنظومة الأممية لحماية حقوق الإنسان. لكن للأسف الشديد فان مؤتمر فيينا لسنة 1993 لم يمنحها العناية الكافية في توصياته.
هناك نوعان من الإجراءات الخاصة:
ـ الإجراءات حسب الموضوع ( ولاية حسب الموضوع ):
تتعرض إلى مسألة أو ظاهرة خاصة بحقوق الإنسان كظاهرة التعذيب أو الاختفاء القسري أو حرية الفكر و التعبير وغيرها.
ـ الإجراءات حسب البلد ( ولاية قطرية ):
أي داسة أوضاع عامة لحقوق الإنسان في بلد معين
ا) نشأة الإجراء 1235
جاء كنتيجة للانتهاكات الخطيرة و الثابتة لحقوق الإنسان في العديد من دول العالم في الستينيات في أفريقيا و أمريكا اللاتينية. ففي سنة 1967 قامت لجنة حقوق الإنسان بإنشاء فريق عمل لدراسة أوضاع حقوق الإنسان في جنوب إفريقيا وقامت في 1975 بإنشاء فريق عمل آخر لدراسة أوضاع حقوق الإنسان عقب الانقلاب الذي حدث في شيلي عام 1973, وفي 1979 عوض هذا الفريق بمقرر خاص و دامت ولايته إلى غاية 1990 أي بعد تنحي النظام و تعويضه بحكومة منتخبة في شيلي.
بدأت الإجراءات الخاصة أول ما بدأت بمعالجة أوضاع حقوق الإنسان في بلدان معينة لتمتد بعدها أيضا إلى دراسة ظاهرة معينة من ظواهر انتهاكات حقوق الإنسان. ففي سنة 1980 ثم تجربة الإجراءات حسب الموضوع لصالح مسألة هامة شغلت المجتمع الدولي آنذاك, هذه المسألة تمثلت في قضية خطيرة من الانتهاكات وهي الاختفاء القسري و اللاطوعي للأفراد. إن منظمة الدول الأمريكية كانت السباقة في معالجة ظاهرة الاختفاء القسري التي تعددت حالاتها في هذا القطر. فكان أول تقرير وضعته حول هذه الظاهرة في سنة 1968 ضد الأرجنتين وبعد ذلك ثم إنشاء فريق عمل من طرف اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان للتحقيق في ظاهرة الاختفاء القسري في الشيلي و الذي قدم تقررين في سنة 1976 و 1978. نلفت الانتباه هنا بأنه في نفس هذه الفترة الزمنية قدمت ثلاثة شكاوى ضد تركيا من طرف القبرص أمام اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان و التي اتهمت فيه تركيا باستعمال هذا الانتهاك ضد المعارضين.
تفاقم ظاهرة الاختفاء القسري دفعت بالجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1979 إلى تقديم توصية 173/33 إلى لجنة حقوق الإنسان من أجل النظر في هذه المسألة مما أدى باللجنة في سنة 1980 إلى إنشاء فريق عمل مكون من خمسة أعضاء من أجل دراسة مسألة الاختفاء القسري و اللاطوعي و تقديم تقرير حول ذلك إلى اللجنة.
و من هذا التاريخ إلى اليوم قامت لجنة حقوق الإنسان بتعين 36 مقررا خاصا منهم 14 ولاية قطرية أي حسب البلد و 22 حسب الموضوع كما قامت أيضا بإنشاء 8 فرق عمل . منها ثلاثة فرق عاملة مكونة من خبراء مستقلين ( الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي و الفريق العامل المعني بالاختفاء القسري و الفريق العامل المعني بالأشخاص المنحدرين من أصل إفريقي ) و خمسة فرق عمل دولي حكومي ( الفريق العامل المعني بالحق في التنمية و الفريق العامل المعني بالمسائل المرتبطة بالتكييف الهيكلي و الفريق العامل المعني بالحالات " الإجراء 1503 " و الفريق العامل المعني ببلورة مشروع بروتوكول اختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب و الفريق العامل المعني ببلورة مشروع إعلان خاص بحقوق السكان الأصليين ).
لقد انصب اهتمام اللجنة من ذي قبل على الحقوق المدنية و السياسية و في الآونة الأخيرة انصب اهتمامها على الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الواقع أن معظم الولايات المسندة منذ 1995 كانت في هذه المجالات.
ح) مهـــــــــــــامهم
إن عمل المقررين الخاصين يساعد على إعطاء أكثر فاعلية للمبادئ العامة الدولية لحقوق الإنسان و تطوير و حماية حقوق الإنسان عن طريق خلق قنوات للحوار البناء مع الدول و الحكومات و البحث عن التعاون و التنسيق في معالجة الانتهاكات. إن عملهم في الميدان يسمح بتسليط الأضواء على عدد كبير من الدول كما يسمح أيضا بإعطاء معلومات دقيقة حول وضعية حقوق الإنسان في هذه الدول. إن طريقة عملهم تسمح بدراسة موضوعية و معمقة للانتهاكات و تسمح لهم أي المقررين على تقديم توصيات و اقتراحات بناءة تساعد الدول على تبني القوانين و حل المشاكل و تجاوز العقبات في مجال حقوق الإنسان.
يمكن تلخيص طريقة عمل المقررين الخاصين في الخطوات التالية :
1ـ تلقي الشكاوى و جمع المعلومات
يمكن لأي فرد أو مجموعة أفراد أو منظمات غير حكومية الاتصال بالمقرر الخاص المعني أو بالفريق العامل من أجل تزو يديهم بالمعلومات أو تقديم شكاوى فردية لانتهاك معين يدخل في نطاق ولايتهم و لا تستلزم تقديم الشكاوى أو البلاغات شروط صارمة كتلك الموجودة في الآليات التعاهدية أو في الإجراء 1503, حيث لا يشترط عند تقديم الشكوى إلى المقرر الخاص أو فريق عمل استنفاذ كافة طرق الطعن الداخلية بل يكفي الكشف عن هوية الضحية أو الضحايا و عن تاريخ ارتكاب الانتهاك و المكان و الأشخاص المسؤولين عن الانتهاك و شرح موجز عن الحادثة و الأسباب...حينما تصل هذه المعلومات و البلاغات إلى المقرر الخاص المعني أو فريق عمل يقوم بالدخول في اتصال مباشر مع الدولة بهدف الاستفسار وطلب توضيحات و محاولة إيجاد حلول للانتهاك الحاصل و عادة ما يطلب المقرر الخاص أو فريق عمل المعلومات التالية من الدولة: معلومات عن صحة البيانات أو الرسائل و معلومات حول المحكمة أو الهيئة المسؤولة عن التحقيق و في بعض الحالات يطلب نتائج الفحص الطبي أو الطب الشرعي و هوية الشخص الذي قام بهذا الفحص و معلومات عن هوية مرتكبي الانتهاك ( شرطة, عناصر الجيش أو أفراد الدفاع الذاتي أو جماعات مسلحة خارجة عن رقابة الدولة...) و معلومات عن التحقيق التي قامت به الدولة و العقوبات أو الإجراءات الأخرى المسلطة على المسؤولين و معلومات عن حجم التعويضات إن وجدت أو إجراءات أخرى لإصلاح الضرر و في حالة عدم إجراء تحقيق أو عدم إنهاءه معلومات عن أسباب ذلك. هذا إلى جانب معلومات أخرى يراها المقرر الخاص أو فريق عمل تفيد في الوصول إلى كشف الانتهاك و جبره.
حينما يتلق رد من الدولة ترسل هذه الردود إلى مصدر المعلومة أو الضحية لتقديم ملاحظاتها عليها و ترسل ثانية إلى الدولة ويقوم المقرر أو فريق عمل بتلخيص هذه الردود في تقريره العام إلى لجنة حقوق الإنسان.
نريد الإشارة هنا إلى أن المنظمات غير حكومية تلعب دورا هاما جدا في تزويد المقررين الخاصين بالمعلومات حول أوضاع حقوق الإنسان أو حول ظاهرة معينة من الانتهاك. لذلك كان لزاما على هذه المنظمات أن تتحصل على قائمة بأسماء و عناوين المقررين و فرق عمل من أجل إعلامهم بشكل متواصل بالانتهاكات و التطورات الحاصلة في هذا المجال.
في الأخير هناك بعض المقررين الخاصين وفرق عمل لا يمكن لهم تلقي و دراسة الشكاوى الفردية: كالفريق العامل المعني بالحق في التنمية و المقرر الخاص المعني بالمرتزقة و المقرر الخاص المعني بسياسات التكيف الهيكلي و الديون الخارجية و الممثل الخاص للأمين العام المعني بالمشردين داخليا و الممثل الخاص للأمين العام المعني بمسألة إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة.
2ـ الزيارات الميدانية
و تعرف أيضا بالزيارات القطرية أو بعثات تقصي الحقائق و تسمح هذه الزيارات للإجراء حسب الموضوع و الإجراء حسب البلد من التعرف عن قرب, و بطريقة معمقة على وضعية حقوق الإنسان, و على تسليط الضوء على عدد كبير من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة و هذا يساعد كثيرا في احترام و تعزيز بعض الحقوق التي لا تتوفر على آلية للتطبيق و الرقابة. وتسمح ميزانية الأمم المتحدة بأن يزور الخبراء البلدان المعنية مرة أو مرتين في السنة, و تتم أيضا في بعض الأحيان ترتيبات خارجة عن الميزانية للقيام بمزيد من الزيارات. ويأتي طلب الزيارة إما بمبادرة شخصية من المقرر الخاص أو فريق عمل و إما بطلب من لجنة حقوق الإنسان عن طريق قرار محدد و واضح. إلا أنه لا يمكن لهؤلاء المقررين الدخول إلى أي بلد إلا بعد موافقة الدولة المعنية. هذا ما يجعل هذه الآلية تخضع دائما لإرادة الدولة و موافقتها .
تتلخص طريقة عمل المقررين الميدانية في القيام باتصالات مع أجهزة الدولة المعنية وكذا المجتمع المدني الممثل في الأحزاب و الجمعيات و المنظمات غير الحكومية و و سائل الإعلام و الشخصيات و كذا الضحايا و له أن يزور السجون و أماكن و مراكز الاحتجاز ويمكن للمقرر الخاص أن يطلب من السلطات الحكومية ضمانات بعدم التعرض إلى أي شخص قابله بالتهديد أو المضايقة أو العقاب أو الملاحقة القضائية.
لا يمكن لأي إجراء حسب الموضوع أثناء زيارته الميدانية التحقيق سوى حول نوع واحد من الانتهاكات و الذي يدخل في نطاق ولايته. فإذا تزامن و أن حصلت هناك انتهاكات أخرى لا تدخل ضمن اختصاصه يمكن له في هذه الحالة القيام بإعلان عام و إرسال توصياته و اقتراحاته إلى المقرر الخاص المعني بهذا أو ذاك الانتهاك بالقيام بتحقيق عاجل.
إن القيام بزيارات مشتركة بين الإجراءات حسب الموضوع فيما بينها من جهة و فيما بين الإجراءات حسب البلد من جهة أخرى ممكنة وقد ثم تجربتها بنجاح في النزاع اليوغسلافي حيث طلبت لجنة حقوق الإنسان من المقرر الخاص حول يوغسلافيا السابقة أن يتعاون و يقوم بزيارات ميدانية مشتركة مع المقرر الخاص حول التعذيب و المقرر الخاص حول المشردين داخليا. يعتبر هذا القرار الصادر عن لجنة حقوق الإنسان قفزة نوعية و بداية رائدة نحو تعزيز و تطوير حماية حقوق الإنسان ووضع حد للتوجه السابق و السائد القائل بعدم القيام بزيارة ميدانية لدولة تكون تحت زيارة ميدانية أخرى للمقرر الخاص حسب البلد. لكن المثال اليوغسلافي وضع حد لهذا التوجه. ونأمل أن تتكرر مثل هذه الزيارات المشتركة رغم خشيتنا من حدوث تضارب في التقارير حول نفس البلد, مثلما حدث مع الفلبيين سنة 1992 نتيجة لتضارب بين تقررين ميدانيين الأول للمقرر الخاص حول التعذيب و الثاني للمقرر الخاص حول الاختفاء القسري و اللاطوعي.
3ـ النداءات العاجلة
هذا الإجراء جاء كرد فعل على الانتهاكات الخطيرة على الأفراد و التي تتطلب تدخل سريع من قبل المقرر الخاص أو الفريق العامل لمنع حصول و استمرار الانتهاك كالتعذيب و التهديد بالموت و الحجز التعسفي و الاختفاء القسري و الطرد نحو بلد قد يتعرض فيها الفرد إلى ضرر لا يمكن جبره...فرغم أن الإجراءات الإستعجالية تنحصر في إرسال فاكس إلى الحكومة المعنية فإنها تعتبر خطوة مهمة و فعالة في الحد من الانتهاك. فإرسال إخطار إلى الحكومة معناه أن هذه الحالة هي متابعة من طرف المجتمع الدولي عن طريق الآليات الأممية مما يدفع بالدول إلى التريث و الإحجام عن ارتكاب أو استمرار في ارتكاب الانتهاك.
إن القيام بالنداءات العاجلة لا يستلزم استنفاذ طرق الطعن الداخلية. انه يتعلق بمجرد إجراء بسيط وسريع قد يؤدي إلى إنقاذ الضحية و الحد الفوري من الانتهاك ويوجه هذا النداء العاجل في الساعات الأولى من مجرد تلقي الخبر و قد تكون هذه النداءات العاجلة صادرة من عدة إجراءات حسب الموضوع أو حسب الموضوع و البلد في نفس الوقت مما يعطي دفعة قوية نحو حماية و تعزيز حقوق الإنسان . وقد يصل عددها سنويا إلى أكثر من 100 نداء
لحماية حقوق الإنسان
بدأت حركة تجميع و تقنين حقوق الإنسان مع جيل الحرب العالمية الثانية, و مع نشأت منظمة الأمم المتحدة سنة 1945 الذي أعطى ميثاقها لأول مرة قيمة عالمية لمبادئ حقوق الإنسان, و شدد على العلاقة الوثيقة بينها و بين صون السلم و الأمن الدوليين, و تعزيز التنمية الاجتماعية و الاقتصادية, فجاءت الفقرة 3 من المادة الأولى من الميثاق لتوضح أن أحد مقاصد هذه المنظمة هو " تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصيغة الاقتصادية و الثقافية و الإنسانية و على تعزيز احترام حقوق الإنسان و الحريات الأساسية للناس جميعا و التشجيع على ذلك إطلاقا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين و لا تفريق بين الرجال و النساء " . وسعيا لتحقيق هذه الأهداف " يتعهد جميع الأعضاء بأن يقوموا منفردين أو مشتركين, بما يجب عليهم من عمل, بالتعاون مع الهيئة لإدراك المقاصد المنصوص عليها في المادة الخامسة و الخمسين" بما في ذلك العمل على أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان و الحريات الأساسية للجميع, بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين, و لا تفريق بين الرجال و النساء, و مراعاة تلك الحقوق و الحريات فعلا " .
ما فتئت حركة حقوق الإنسان, بعد تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10كانون الأول/ ديسمبر 1948, تتقدم و تتطور على الصعيد العالمي و الإقليمي.
و قد ظهر على صعيد الأمم المتحدة عدد لابأس به من الصكوك و الآليات في مجال حماية و تطوير حقوق الإنسان شكلت ما يعرف اليوم بمنظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
آليات منظمة الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان
قامت منظمة الأمم المتحدة منذ تأسيسها سنة 1945 من انشأ نظام لحماية حقوق الإنسان, ركيزته عدد لا بأس به من المواثيق, و الصكوك التي تعتمد من أجل تنفيذها على نوعين من الآليات: تعاهدية و غير تعاهدية, و مازال هذا النظام في تطور مستمر من أجل تفعيل هذه الآليات و الوصول بها إلى المبتغى و هو تعزيز و حماية حقوق الإنسان على وجه المعمورة.
- الآليات التعاهدية لحماية حقوق الإنسان
من بين العديد من اتفاقيات حقوق الإنسان التي تبنتها الأمم المتحدة هناك 9 اتفاقيات فقط تنص على آليات للتطبيق التي هي عبارة عن لجان تسهر على تنفيذ بنود هذه الاتفاقيات و هي:
1ـ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري. اعتمدت من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21/12/1965, ودخلت حيز التنفيذ في 4/1/1969. أنشأت لجنة تسمى " لجنة القضاء على التمييز العنصري ".
2ـ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي أعتمد في 16/12/1966, ودخل حيز التنفيذ في 23/3/1976. أنشأ لجنة تسمى " اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ".
3ـ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية الذي أعتمد في 16/12/1966, ودخل حيز التنفيذ في 3/1/1976. أنشأ المجلس الاجتماعي والاقتصادي لجنة تسهر على تنفيذ بنود هذا العهد وفقا لقراره رقم 17/1985 بتاريخ 28/5/1985 وتسمى هذه اللجنة " اللجنة المعنية بشأن الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ".
4ـ الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري و المعاقبة عليها التي اعتمدت في 30/11/1973, ودخلت حيز التنفيذ في 18/7/1976. أنشأت لجنة تسمى " الفريق الثلاثي لقمع جريمة الفصل العنصري و المعاقبة عليها ".
5ـ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي اعتمدت في 18/12/1979, و دخلت حيز التنفيذ في 3/9/1981. أنشأت لجنة تسمى " لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة ".
6ـ اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة, اعتمدت في 10/12/1984, ودخلت حيز التنفيذ في 3/9/1987. أنشأت لجنة تسمى " لجنة مناهضة التعذيب ".
7ـ اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدت في 20/11/1989, ودخلت حيز التنفيذ في 2/9/1990. أنشأت لجنة تسمى " اللجنة المعنية بحقوق الطفل ".
8ـ الاتفاقية الدولية لمناهضة الفصل العنصري في الألعاب الرياضية التي اعتمدت في 10/12/1985, ودخلت حيز التنفيذ في 3/4/1988. أنشأت لجنة تسمى " لجنة مناهضة الفصل العنصري في الألعاب ".
9ـ الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم التي اعتمدت في 18/12/1990 , ودخلت حيز التنفيذ في 1/7/2003. أنشأت لجنة تسمى " لجنة حماية حقوق جميع العمال المهاجرين و أفراد أسرهم ".
تتألف هذه اللجان من خبراء مستقلين من ذوي المكانة الخلقية الرفيعة والمشهود لهم بالكفاءة العالية في ميدان حقوق الإنسان. ينتخبون من قبل الدول الأطراف في الاتفاقية لمدة 4 سنوات, يتراوح عدد خبراء اللجان من 18 عضو في أغلب اللجان إلى 10 في لجنة مناهضة التعذيب إلى 23 في لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة و 15 في لجنة مناهضة الفصل العنصري في الألعاب.
أما اختصاصات هذه اللجان فهي متنوعة ومتعددة. قد يتشابه بعضها وقد تنفرد بعض اللجان ببعض الاختصاصات . لكن في ضوء التطور الحاصل على هذه الآليات و التنسيق فيما بينها في اجتماعات رؤساءها سنويا, قد تعمم كل الاختصاصات وتتوسع على كل اللجان. هذا ما نطمح إليه في المستقبل القريب.
أولا: الاختصاصات المشتركة بين اللجان
إن أهم الاختصاصات التي تشترك فيها اللجان أو غالبيتها هي:اختصاص دراسة التقارير و إصدار تعليقات عامة تفسر بنود الاتفاقية أو بعضها.
ا) دراسة التقارير
تمثل الوظيفة الأساسية للجنة في رصد تنفيذ الدول الأطراف لبنود الاتفاقية وذلك عن طريق دراسة التقارير المقدمة من الدول الأطراف دوريا وتسعى اللجنة من خلال هذه الدراسة إلى إقامة حوار بناء مع الدول الأطراف, وتحاول باستخدام مجموعة من الوسائل, تحديد ما إذا كانت المعايير الواردة في الاتفاقية مطبقة أم لا, و التعرف على الصعوبات و العراقيل بغية تقديم المساعدة عن طريق الاقتراحات و التوصيات التي ترفع إلى الدول والى الجمعية العامة عن طريق المجلس الاقتصادي والاجتماعي في التقرير السنوي.
رغم أن هذه الآلية تعاني من عدة عراقيل كعدم التزام الدول بتقديم تقاريرها أو التأخير في تقديم هذه التقارير و كذلك نوعية التقارير الرديئة و غير الكافية إلى جانب غياب هذه الآلية في عدة معاهدات حقوق الإنسان الهامة جدا كاتفاقية الوقاية و معاقبة جريمة الإبادة لسنة 1948 والاتفاقية الخاصة بالرق لسنة 1926 وغيرها.
إلا أننا نستطيع الجزم بان هذه الآلية تؤدي عدة وظائف مهمة لترقية وحماية حقوق الإنسان كوظيفة الاستعراض الأولي ووظيفة الرصد ووظيفة رسم السياسات ووظيفة الرقابة العامة ووظيفة التقييم ووظيفة الاعتراف بالمشاكل ووظيفة تبادل المعلومات .
ب) إصدار التعليقات
لقد لاحظت العديد من اللجان خلال مناقشتها لعدد من المسؤولين عند تقديم تقارير حكوماتهم تفاوتا واضحا في تفسير عدد من مواد الاتفاقية, و انطلاقا من كون أحد المهام المكلفة بها هذه اللجان هي إعداد التعليقات العامة على مواد الاتفاقية كلما دعت الحاجة و الضرورة إلى ذلك, بدأت هذه اللجان بإصدار شروح و تفاسير لبنود الاتفاقية لإزالة كل لبس و شك يتعلق بهدف و معنى و مضمون الاتفاقية. فضلا عن تحديد معاني المصطلحات الواردة بها.
يعتبر إصدار التعليقات مساهمة فعالة و وسيلة حاسمة الأهمية لإيجاد فقه وفهم مشترك لمواد الاتفاقية عند تطبيقها و عند إعداد التقارير و توفير أسلوب يسمح لأعضاء اللجان بالتوصل إلى اتفاق بتوافق الآراء فيما يتعلق بتفسير المعايير التي تجسدها الاتفاقية
ثانيا: الاختصاصات الخاصة ببعض اللجان
و تشمل هذه الاختصاصات مسألة التحقيق و تقصي الحقائق واستلام البلاغات الحكومية و استلام البلاغات الفردية. لكن من المؤسف أن بعض اتفاقيات حقوق الإنسان لا تشتمل على هذه الاختصاصات مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية و الاجتماعية و التقافية لعام 1966 و اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989م وكان الأجدر تعميمها على كل اتفاقيات حقوق الإنسان.
ا) التحقيق و تقصي الحقائق
يقتصر هذا الإجراء فقط على لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة بموجب المادة 8 من البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة و على لجنة مناهضة التعذيب بمقتضى المادة 20 من اتفاقية مناهضة التعذيب. حيث أنه إذا تلقت اللجنة معلومات موثوقا بها ترى أنها تتضمن دلائل لها أساس قوي تشير إلى أن انتهاكات تمارس على نحو منتظم في أراضي دولة طرف ـ طالما لم تعلن الدولة المعنية إنها لا تعترف باختصاص اللجنة في هذا الشأن ـ فإنها تدعو الدولة الطرف المعنية إلى التعاون في دراسة هذه المعلومات, و تحقيقا لهذه الغاية إلى تقديم ملاحظات بصدد تلك المعلومات و إذا استوجبت ضرورة التحقيق, فانه يحق للجنة إيفاد عضو أو أكثر من أعضاءها إلى أراضي البلد المعني للالتقاء بالسلطات المعنية و ممثلي المنظمات غير الحكومية, و يقومون بزيارة أماكن الانتهاك وغيرها. و في هذه الزيارات الميدانية تسعى اللجنة دائما للحصول على موافقة الدولة المعنية.
ب) استلام البلاغات أو الشكاوى
سواء كانت من الحكومات أو من الأفراد. إن هذا الاختصاص تنفرد به 5 لجان تعاهدية هي كالآتي:
ـ " لجنة القضاء على التمييز العنصري ", بموجب الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي اعتمدت في 21/12/1965 ودخلت حيز التنفيذ في 4/1/1969.
ـ " اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ", بموجب البرتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية الذي اعتمد في 16/12/1966 ودخل حيز التنفيذ في 23/3/1976.
ـ " لجنة مناهضة التعذيب ", بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب وغير من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي اعتمدت في 10/12/1984 و دخلت حيز التنفيذ في 3/9/1987.
ـ " لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة ", بموجب البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الذي اعتمد في 6/10/1999 ودخل حيز التنفيذ في 27/12/2000.
ـ " لجنة حماية حقوق جميع العمال المهاجرين و أفراد أسرهم ", بموجب الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين و أفراد أسرهم التي اعتمدت في 18/12/1990 ودخلت حيز التنفيذ في 1/7/2003
في إطار العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية أعدت اللجنة مشروع برتوكول اختياري يسمح بتقديم البلاغات لكنه لم يعتمد رسميا بعد.
إن هذه اللجان أعلاه تختص كلها في النظر في البلاغات أو الشكاوى و على الرغم من وجود بعض الاختلافات الإجرائية بين الآليات الخمسة. إلا إنها متشابهة كثيرا من حيث تصميمها وعملها. وتتلخص مراحل سير الشكاوى الفردية من النظر في القبول الشكلي لها الى دراسة موضوعها و تحديد الوقائع تم إصدار توصيات بشأنها ترفع الى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
- الآليات غير التعاهدية
منذ تأسيسها تلقت لجنة حقوق الإنسان كما هائلا من الشكاوى الفردية و الجماعية حول انتهاكات حقوق الإنسان في العديد من الدول فما بين 1947 ـ 1957 تلقت ما يقرب من 65000 شكوى وهذا العدد تزايد ليصل بعض المرات إلى 20000 شكوى في السنة. لكن لم تستطع لجنة حقوق الإنسان من دراستها و ذلك راجع لعدم اختصاصها في المسألة ولعدم وجود أساس قانوني يسمح لها بذلك. وظلت الأمور على هذه الحال مدة 20 سنة حتى عام 1967 عندما سمح للجنة حقوق الإنسان ولجنتها الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات من دراسة مسألة انتهاكات حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في أي جزء من العالم وذلك وفقا للقرارين الشهرين للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي : القرار رقم 1235 الصادر في 6 جوان 1967 الخاص بإنشاء مقررين خاصين و فرق عمل و القرار 1503 الصادر في 27 مايو 1970 الخاص بالبلاغات الفردية. كما سمح المجلس الاقتصادي و الاجتماعي أيضا في العديد من قراراته للجنة مركز المرأة بتلقي و دراسة الشكاوى الخاصة بالانتهاكات الجائرة و التمييزية ضد المرأة.
أولا: الإجراء 1503 ( الإجراء السري )
وسمي بالإجراء 1503 في الإشارة إلى رقم قرار المجلس الاقتصادي و الاجتماعي الذي أنشأه . وهو إجراء سري يسمح بتلقي و دراسة الشكاوى التي تكشف بالأدلة الموثوقة عن نمط ثابت من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان, في أي دولة في العالم سواء كانت عضو في الأمم المتحدة أم لا وسواء وقعت أو صادقت على اتفاقيات حقوق الإنسان أم لا.
و قد أدخلت لجنة حقوق الإنسان في دورتها السادسة و الخمسون التي انعقدت سنة 2000 تعديلا كبيرا على هذا الإجراء و قام المجلس الاقتصادي و الاجتماعي باعتماد مشروع هذا التعديل في قراره 2000/3 المؤرخ في 16 حزيران/ يونيه 2000. و المشروح أدناه هو ما يسمى الإجراء 1503 المنقح. و تمر هذه الشكاوى عبر مراحل عديدة تتمثل في تقديم الشكوى إلى الفريق العامل المعني بالرسائل لدى اللجنة الفرعية لحماية و تطوير حقوق الإنسان تم إلى لجنة حقوق الإنسان التي تقوم بمعالجة الشكوى عبر عدة خيارات أهمها:
ـ إما شطب الشكوى و إسقاطها من الإجراءات ,
ـ الاحتفاظ بها قيد الدارسة في الدورة الثالية,
ـ الاحتفاظ بها قيد الاستعراض و تعين خبيرا مستقلا,
ـ إجراء تحقيق بشأنها و تعين لجنة لهذا الغرض شريطة موافقة الدولة صراحة و تقوم اللجنة بعرض تقريرها أمام لجنة حقوق الإنسان, وهذا الإجراء ناذر الاستعمال,
ـ إيقاف النظر في المسألة في إطار الإجراء 1503 ( الإجراء السري ) و تناولها بدلا عن ذلك في إطار الإجراء 1235 ( الإجراء العلني ) كتعين مثلا مقررا خاصا مثلما فعلت بالنسبة لغينيا الاستوائية,
ـ رفع توصية بشأنها إلى المجلس الاقتصادي و الاجتماعي, مثلما فعلت ذلك بالنسبة لهايتي.
ثالثا: الإجراء 1235
لقد ثم إنشاء هذا الإجراء وفقا للقرار 1235 الصادر عن المجلس الاقتصادي و الاجتماعي في 6 جوان 1967 و يعرف هذا الإجراء باسم الإجراء 1235 أو الإجراءات الخاصة.
إن الإجراءات الخاصة تجمع مجموعة من المقررين الخاصين وفرق عمل وممثلين و خبراء. وهذه الإجراءات ليست منبثقة عن معاهدات. بل يعنون هؤلاء الخبراء من طرف لجنة حقوق الإنسان و يهتمون بدراسة المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان وكذلك بأوضاع خاصة في دولة معينة و يقترحون في هذه الوضعية السبل و الإمكانيات لتطوير و حماية حقوق الإنسان.
إن الإجراءات الخاصة هي القلب النابض داخل المنظومة الأممية لحماية حقوق الإنسان. لكن للأسف الشديد فان مؤتمر فيينا لسنة 1993 لم يمنحها العناية الكافية في توصياته.
هناك نوعان من الإجراءات الخاصة:
ـ الإجراءات حسب الموضوع ( ولاية حسب الموضوع ):
تتعرض إلى مسألة أو ظاهرة خاصة بحقوق الإنسان كظاهرة التعذيب أو الاختفاء القسري أو حرية الفكر و التعبير وغيرها.
ـ الإجراءات حسب البلد ( ولاية قطرية ):
أي داسة أوضاع عامة لحقوق الإنسان في بلد معين
ا) نشأة الإجراء 1235
جاء كنتيجة للانتهاكات الخطيرة و الثابتة لحقوق الإنسان في العديد من دول العالم في الستينيات في أفريقيا و أمريكا اللاتينية. ففي سنة 1967 قامت لجنة حقوق الإنسان بإنشاء فريق عمل لدراسة أوضاع حقوق الإنسان في جنوب إفريقيا وقامت في 1975 بإنشاء فريق عمل آخر لدراسة أوضاع حقوق الإنسان عقب الانقلاب الذي حدث في شيلي عام 1973, وفي 1979 عوض هذا الفريق بمقرر خاص و دامت ولايته إلى غاية 1990 أي بعد تنحي النظام و تعويضه بحكومة منتخبة في شيلي.
بدأت الإجراءات الخاصة أول ما بدأت بمعالجة أوضاع حقوق الإنسان في بلدان معينة لتمتد بعدها أيضا إلى دراسة ظاهرة معينة من ظواهر انتهاكات حقوق الإنسان. ففي سنة 1980 ثم تجربة الإجراءات حسب الموضوع لصالح مسألة هامة شغلت المجتمع الدولي آنذاك, هذه المسألة تمثلت في قضية خطيرة من الانتهاكات وهي الاختفاء القسري و اللاطوعي للأفراد. إن منظمة الدول الأمريكية كانت السباقة في معالجة ظاهرة الاختفاء القسري التي تعددت حالاتها في هذا القطر. فكان أول تقرير وضعته حول هذه الظاهرة في سنة 1968 ضد الأرجنتين وبعد ذلك ثم إنشاء فريق عمل من طرف اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان للتحقيق في ظاهرة الاختفاء القسري في الشيلي و الذي قدم تقررين في سنة 1976 و 1978. نلفت الانتباه هنا بأنه في نفس هذه الفترة الزمنية قدمت ثلاثة شكاوى ضد تركيا من طرف القبرص أمام اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان و التي اتهمت فيه تركيا باستعمال هذا الانتهاك ضد المعارضين.
تفاقم ظاهرة الاختفاء القسري دفعت بالجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1979 إلى تقديم توصية 173/33 إلى لجنة حقوق الإنسان من أجل النظر في هذه المسألة مما أدى باللجنة في سنة 1980 إلى إنشاء فريق عمل مكون من خمسة أعضاء من أجل دراسة مسألة الاختفاء القسري و اللاطوعي و تقديم تقرير حول ذلك إلى اللجنة.
و من هذا التاريخ إلى اليوم قامت لجنة حقوق الإنسان بتعين 36 مقررا خاصا منهم 14 ولاية قطرية أي حسب البلد و 22 حسب الموضوع كما قامت أيضا بإنشاء 8 فرق عمل . منها ثلاثة فرق عاملة مكونة من خبراء مستقلين ( الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي و الفريق العامل المعني بالاختفاء القسري و الفريق العامل المعني بالأشخاص المنحدرين من أصل إفريقي ) و خمسة فرق عمل دولي حكومي ( الفريق العامل المعني بالحق في التنمية و الفريق العامل المعني بالمسائل المرتبطة بالتكييف الهيكلي و الفريق العامل المعني بالحالات " الإجراء 1503 " و الفريق العامل المعني ببلورة مشروع بروتوكول اختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب و الفريق العامل المعني ببلورة مشروع إعلان خاص بحقوق السكان الأصليين ).
لقد انصب اهتمام اللجنة من ذي قبل على الحقوق المدنية و السياسية و في الآونة الأخيرة انصب اهتمامها على الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الواقع أن معظم الولايات المسندة منذ 1995 كانت في هذه المجالات.
ح) مهـــــــــــــامهم
إن عمل المقررين الخاصين يساعد على إعطاء أكثر فاعلية للمبادئ العامة الدولية لحقوق الإنسان و تطوير و حماية حقوق الإنسان عن طريق خلق قنوات للحوار البناء مع الدول و الحكومات و البحث عن التعاون و التنسيق في معالجة الانتهاكات. إن عملهم في الميدان يسمح بتسليط الأضواء على عدد كبير من الدول كما يسمح أيضا بإعطاء معلومات دقيقة حول وضعية حقوق الإنسان في هذه الدول. إن طريقة عملهم تسمح بدراسة موضوعية و معمقة للانتهاكات و تسمح لهم أي المقررين على تقديم توصيات و اقتراحات بناءة تساعد الدول على تبني القوانين و حل المشاكل و تجاوز العقبات في مجال حقوق الإنسان.
يمكن تلخيص طريقة عمل المقررين الخاصين في الخطوات التالية :
1ـ تلقي الشكاوى و جمع المعلومات
يمكن لأي فرد أو مجموعة أفراد أو منظمات غير حكومية الاتصال بالمقرر الخاص المعني أو بالفريق العامل من أجل تزو يديهم بالمعلومات أو تقديم شكاوى فردية لانتهاك معين يدخل في نطاق ولايتهم و لا تستلزم تقديم الشكاوى أو البلاغات شروط صارمة كتلك الموجودة في الآليات التعاهدية أو في الإجراء 1503, حيث لا يشترط عند تقديم الشكوى إلى المقرر الخاص أو فريق عمل استنفاذ كافة طرق الطعن الداخلية بل يكفي الكشف عن هوية الضحية أو الضحايا و عن تاريخ ارتكاب الانتهاك و المكان و الأشخاص المسؤولين عن الانتهاك و شرح موجز عن الحادثة و الأسباب...حينما تصل هذه المعلومات و البلاغات إلى المقرر الخاص المعني أو فريق عمل يقوم بالدخول في اتصال مباشر مع الدولة بهدف الاستفسار وطلب توضيحات و محاولة إيجاد حلول للانتهاك الحاصل و عادة ما يطلب المقرر الخاص أو فريق عمل المعلومات التالية من الدولة: معلومات عن صحة البيانات أو الرسائل و معلومات حول المحكمة أو الهيئة المسؤولة عن التحقيق و في بعض الحالات يطلب نتائج الفحص الطبي أو الطب الشرعي و هوية الشخص الذي قام بهذا الفحص و معلومات عن هوية مرتكبي الانتهاك ( شرطة, عناصر الجيش أو أفراد الدفاع الذاتي أو جماعات مسلحة خارجة عن رقابة الدولة...) و معلومات عن التحقيق التي قامت به الدولة و العقوبات أو الإجراءات الأخرى المسلطة على المسؤولين و معلومات عن حجم التعويضات إن وجدت أو إجراءات أخرى لإصلاح الضرر و في حالة عدم إجراء تحقيق أو عدم إنهاءه معلومات عن أسباب ذلك. هذا إلى جانب معلومات أخرى يراها المقرر الخاص أو فريق عمل تفيد في الوصول إلى كشف الانتهاك و جبره.
حينما يتلق رد من الدولة ترسل هذه الردود إلى مصدر المعلومة أو الضحية لتقديم ملاحظاتها عليها و ترسل ثانية إلى الدولة ويقوم المقرر أو فريق عمل بتلخيص هذه الردود في تقريره العام إلى لجنة حقوق الإنسان.
نريد الإشارة هنا إلى أن المنظمات غير حكومية تلعب دورا هاما جدا في تزويد المقررين الخاصين بالمعلومات حول أوضاع حقوق الإنسان أو حول ظاهرة معينة من الانتهاك. لذلك كان لزاما على هذه المنظمات أن تتحصل على قائمة بأسماء و عناوين المقررين و فرق عمل من أجل إعلامهم بشكل متواصل بالانتهاكات و التطورات الحاصلة في هذا المجال.
في الأخير هناك بعض المقررين الخاصين وفرق عمل لا يمكن لهم تلقي و دراسة الشكاوى الفردية: كالفريق العامل المعني بالحق في التنمية و المقرر الخاص المعني بالمرتزقة و المقرر الخاص المعني بسياسات التكيف الهيكلي و الديون الخارجية و الممثل الخاص للأمين العام المعني بالمشردين داخليا و الممثل الخاص للأمين العام المعني بمسألة إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة.
2ـ الزيارات الميدانية
و تعرف أيضا بالزيارات القطرية أو بعثات تقصي الحقائق و تسمح هذه الزيارات للإجراء حسب الموضوع و الإجراء حسب البلد من التعرف عن قرب, و بطريقة معمقة على وضعية حقوق الإنسان, و على تسليط الضوء على عدد كبير من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة و هذا يساعد كثيرا في احترام و تعزيز بعض الحقوق التي لا تتوفر على آلية للتطبيق و الرقابة. وتسمح ميزانية الأمم المتحدة بأن يزور الخبراء البلدان المعنية مرة أو مرتين في السنة, و تتم أيضا في بعض الأحيان ترتيبات خارجة عن الميزانية للقيام بمزيد من الزيارات. ويأتي طلب الزيارة إما بمبادرة شخصية من المقرر الخاص أو فريق عمل و إما بطلب من لجنة حقوق الإنسان عن طريق قرار محدد و واضح. إلا أنه لا يمكن لهؤلاء المقررين الدخول إلى أي بلد إلا بعد موافقة الدولة المعنية. هذا ما يجعل هذه الآلية تخضع دائما لإرادة الدولة و موافقتها .
تتلخص طريقة عمل المقررين الميدانية في القيام باتصالات مع أجهزة الدولة المعنية وكذا المجتمع المدني الممثل في الأحزاب و الجمعيات و المنظمات غير الحكومية و و سائل الإعلام و الشخصيات و كذا الضحايا و له أن يزور السجون و أماكن و مراكز الاحتجاز ويمكن للمقرر الخاص أن يطلب من السلطات الحكومية ضمانات بعدم التعرض إلى أي شخص قابله بالتهديد أو المضايقة أو العقاب أو الملاحقة القضائية.
لا يمكن لأي إجراء حسب الموضوع أثناء زيارته الميدانية التحقيق سوى حول نوع واحد من الانتهاكات و الذي يدخل في نطاق ولايته. فإذا تزامن و أن حصلت هناك انتهاكات أخرى لا تدخل ضمن اختصاصه يمكن له في هذه الحالة القيام بإعلان عام و إرسال توصياته و اقتراحاته إلى المقرر الخاص المعني بهذا أو ذاك الانتهاك بالقيام بتحقيق عاجل.
إن القيام بزيارات مشتركة بين الإجراءات حسب الموضوع فيما بينها من جهة و فيما بين الإجراءات حسب البلد من جهة أخرى ممكنة وقد ثم تجربتها بنجاح في النزاع اليوغسلافي حيث طلبت لجنة حقوق الإنسان من المقرر الخاص حول يوغسلافيا السابقة أن يتعاون و يقوم بزيارات ميدانية مشتركة مع المقرر الخاص حول التعذيب و المقرر الخاص حول المشردين داخليا. يعتبر هذا القرار الصادر عن لجنة حقوق الإنسان قفزة نوعية و بداية رائدة نحو تعزيز و تطوير حماية حقوق الإنسان ووضع حد للتوجه السابق و السائد القائل بعدم القيام بزيارة ميدانية لدولة تكون تحت زيارة ميدانية أخرى للمقرر الخاص حسب البلد. لكن المثال اليوغسلافي وضع حد لهذا التوجه. ونأمل أن تتكرر مثل هذه الزيارات المشتركة رغم خشيتنا من حدوث تضارب في التقارير حول نفس البلد, مثلما حدث مع الفلبيين سنة 1992 نتيجة لتضارب بين تقررين ميدانيين الأول للمقرر الخاص حول التعذيب و الثاني للمقرر الخاص حول الاختفاء القسري و اللاطوعي.
3ـ النداءات العاجلة
هذا الإجراء جاء كرد فعل على الانتهاكات الخطيرة على الأفراد و التي تتطلب تدخل سريع من قبل المقرر الخاص أو الفريق العامل لمنع حصول و استمرار الانتهاك كالتعذيب و التهديد بالموت و الحجز التعسفي و الاختفاء القسري و الطرد نحو بلد قد يتعرض فيها الفرد إلى ضرر لا يمكن جبره...فرغم أن الإجراءات الإستعجالية تنحصر في إرسال فاكس إلى الحكومة المعنية فإنها تعتبر خطوة مهمة و فعالة في الحد من الانتهاك. فإرسال إخطار إلى الحكومة معناه أن هذه الحالة هي متابعة من طرف المجتمع الدولي عن طريق الآليات الأممية مما يدفع بالدول إلى التريث و الإحجام عن ارتكاب أو استمرار في ارتكاب الانتهاك.
إن القيام بالنداءات العاجلة لا يستلزم استنفاذ طرق الطعن الداخلية. انه يتعلق بمجرد إجراء بسيط وسريع قد يؤدي إلى إنقاذ الضحية و الحد الفوري من الانتهاك ويوجه هذا النداء العاجل في الساعات الأولى من مجرد تلقي الخبر و قد تكون هذه النداءات العاجلة صادرة من عدة إجراءات حسب الموضوع أو حسب الموضوع و البلد في نفس الوقت مما يعطي دفعة قوية نحو حماية و تعزيز حقوق الإنسان . وقد يصل عددها سنويا إلى أكثر من 100 نداء