أركان الجريمة
المبحث الأول : الركن المادي :
سنتناول بالدراسة عناصر الركن المادي في الجريمة التامة ثم دراسة الشروع في الجريمة0
المطلب الأول : الجرائم التامة :
يقوم الركن المادي في الجريمة التامة على ثلاثة عناصر هي : السلوك الإجرامي والنتيجة الضارة وعلاقة السببية بين السلوك والنتيجة0
أولا - السلوك الإجرامي :
ماهيته : السلوك الإجرامي هو النشاط الإرادي الخارجي الذي يصدر عن الجاني ليحقق النتيجة الإجرامية التي يعاقب عليها القانون0 فالجريمة تبدأ بفكرة في ذهن الجاني قد يصرف النظر عنها وقد يصمم على تنفيذها، والمشروع الجنائي لا يعاقب على النوايا الآثمة والمقاصد الشريرة مالم تخرج الى حيز الوجود في شكل سلوك مادي ملموس0 بل ان المشرع الجنائي لا يعاقب على الأفعال التي تعد من قبيل الأعمال التحضيرية وهي الأعمال المادية التي يباشرها الجاني استعدادا لتنفيذ الجريمة كإعداد الجاني السلاح الذي ينوي استخدامه في الجريمة0 ويرجع عدم العقاب على الأعمال التحضيرية لكونها لا تشكل خطرا يهدد المجتمع ولتشجيع الفاعل على العدول عن تنفيذ مشروعه الاجرامي0 1-
واستثناء قد يرى المشرع تجريم بعض صور التصميم على الجريمة والتحضير لها ، من ذلك : جريمة محاولة قلب نظام الحكم في الدولة (م 174 و 189 ع0 إ) وجريمة تكوين عصابة لمهاجمة طائفة من السكان او مقاومة رجال السلطة العامة في تنفيذ القوانين (م 186 ع0إ) ، فالمشرع يعاقب على هذه الجرائم باعتبارها جرائم مستقلة قائمة بذاتها لا بوصفها مرحلة في الجريمة المراد ارتكابها0
صور السلوك الإجرامي : ان السلوك الإجرامي قد يكون في صورة ارتكاب فعل يحظره القانون وهو الأمر في الجرائم الإيجابية، وقد يكون في صورة عدم القيام بفعل يأمر به القانون وهو الأمر في الجرائم السلبية0
2-
الفعل الإيجابي : هو كل حركة عضوية إرادية تصدر من الجاني ليتوصل بها الى ارتكاب جريمته، وهذه الحركة قد يؤديها بيده او ساقه او فمه او غير ذلك من أعضاء جسمه0 ويستوي في نظر القانون ان تقع هذه الحركة العضوية بأية كيفية او باستخدام اداة تنفذها او دون استخدام اية اداة، فمثلا القتل قد يقع بوسيلة قاتلة بطبيعتها كسلاح ناري، وقد يقع بوسيلة غير قاتلة بطبيعتها ولكن تؤدي الى إحداث الوفاة بحسب قصد الجاني منها وطريقة استخدامه لها كركل المجني عليه في مقتل ، بل ان القتل قد يقع حتى ولو لم يلامس الجاني جسم المجني عليه مباشرة كأن يضع له في فراشه ثعبانا ساما0 غير ان الحركات العضوية لا تكفي في الفعل لكي يكتسب قيمته الجنائية بل يلزم توافر عنصر اخر نفسي يتمثل في الإرادة التي تسبب الحركة العضوية، فإذا صدرت الحركة العضوية بغير قوة الإرادة فإنها حركة آلية لا تنسب الى صاحبها، فإذا أصيب شخص بإغماء مفاجئ فسقط على طفل فأصابه بجراح فان فعل الإصابة لا يسند اليه بل الى قوة الجاذبية الارضية0 أ-
والأصل ان المشرع لا يعتد بوسائل السلوك الإجرامي ولا بزمانه ولا مكانه الا انه استثناء قد يأخذ المشرع هذه الامور في الاعتبار.
فقد يشترط المشرع لقيام بعض الجرائم ان يكون وقوعها بوسائل معينة فمثلا يلزم استعمال النار في تخريب الأموال الثابتة او المنقولة (م 304 عقوبات اتحادي) واستخدام الطرق الاحتيالية في النصب (م 399 ع0 إ)0
وقد يعتبر المشرع الزمن الذي يرتكب فيه الفعل عنصرا يدخل في تكوين الجريمة مثل الإخلال العمدي بتنفيذ كل الالتزامات التي يفرضها عقد مقاولة او نقل او توريد او أشغال عامة مرتبط بها شخص مع الحكومة لحاجات القوات المسلحة فلا تعد جريمة الا اذا وقعت زمن الحرب (م 164/1 ع0 إ)0
أما عن مكان السلوك الإجرامي فقد يعتبره المشرع عنصرا يدخل في تكوين الجريمة كالسب والقذف العلني إذ يستلزم وقوعها في مكان علني (م 372 ع0 إ)0
الامتناع (الشكل السلبي للسلوك) : ب-
الامتناع هو إحجام الجاني عن القيام بعمل إيجابي يفرضه عليه القانون في ظروف معينة وعلى ذلك فان الامتناع يقوم بتوافر عناصر ثلاثة هي :
الإحجام عن أداء عمل إيجابي : لا يتألف الركن المادي في جرائم الامتناع من مجرد إحجام الجاني مجردا وإنما من ذلك الامتناع الذي يترك فيه الجاني أداء عمل معين يلزمه القانون بالقيام به ، ففي مقام التجريم يستوي لدى المشرع ان يقع اعتداء على الحق او المصلحة المحمية بارتكاب الفعل المجرم او بالتخلي عن أداء العمل الواجب، مثال ذلك امتناع الشاهد عن الإدلاء بشهادته أمام القاضي (م 261 ع0 إ)0
1-
وجود واجب يفرضه القانون : ان الامتناع المؤثم في قانون العقوبات هو ذلك الذي يرتب عليه المشرع الجنائي آثارا جنائية ، فإذا لم يكن هناك واجب قانوني يفرضه قانون العقوبات فلا جريمة في حق من أحجم عن الفعل، كمن يشاهد طفلا يعبث بأسلاك كهربائية عارية فلا يحذره حتى يصعقه التيار فيقتله0
2-
الصفة الإرادية للامتناع : مصدر الامتناع الإرادة والصفة الإرادية في الامتناع لا تقتصر على توجيه الإرادة الى عدم القيام بالالتزام الذي يفرضه القانون بل تنصرف الى عدم توجيهها للقيام به مع القدرة على ذلك، لان الإرادة تتطلب القدرة على التنفيذ حيث لا تكليف بمستحيل0
3-
ثانيا - النتيجة :
تردد الفقه الجنائي بين مدلولين للنتيجة : مدلول مادي وآخر قانوني0
1- المفهوم المادي للنتيجة : هي عبارة عن التغيير الذي يحدث في العالم الخارجي كأثر للسلوك الإجرامي، فإذا ترتب على الجريمة عدة آثار مادية في العالم الخارجي فان المشرع لا يعتد الا بأثر واحد يشترط تحققه لتمام الجريمة وهذا هو المقصود بالنتيجة.
فمن يرتكب فتلا يحدث اثر يتمثل في وفاة إنسان حي 0 ولا يلزم ان تتوافر النتيجة بمدلولها المادي في كل الجرائم حيث توجد طائفة من الجرائم يكفي لقيامها حدوث السلوك الإجرامي ، ولذلك تنقسم الجرائم الى :
جرائم ذات النتائج : هي الجرائم التي ينطوي ركنها المادي على نتيجة معينة مثل القتل0 *
جرائم شكلية : هي جرائم السلوك المجرد وتتميز بانعدام النتيجة فيها مثل جرائم إحراز وحمل السلاح دون ترخيص0
*
ثانيا : المفهوم القانوني للنتيجة : هي الاعتداء على المصلحة التي يحميها القانون سواء أدى هذا الاعتداء الى الإضرار بالمصلحة المعتدى عليها او تهديدها بالخطر0 فالنتيجة في القتل هي الاعتداء على حق الإنسان في الحياة ، وفي السرقة هي الاعتداء على حق الملكية والحيازة0 والنتيجة بهذا المفهوم ليست ضررا ماديا ينجم عن سلوك إجرامي وإنما عبارة عن ضرر معنوي يقع على حق يحميه القانون، ويترتب على ذلك ان لكل جريمة نتيجة، غاية الأمر ان هناك جرائم تكون لنتائجها مظهر ملموس كما هو الحال في القتل، وجرائم ليس لها مظهر ملموس ولكنها تمثل ضررا معنويا يقع على مصلحة يحميها القانون مثل جريمة امتناع الشاهد عن الحضور وأداء الشهادة التي تتمثل النتيجة فيها في اعتداء الفاعل على حق المجتمع في الاستعانة بفرد من أفراده في كشف الحقيقة0 ولذلك قسم الفقه الجرائم وفقا للمفهوم القانوني للنتيجة الى جرائم ضرر وجرائم خطر :
جرائم الضرر : هي التي تتمثل النتيجة فيها في تحقق ضرر فعلي على المصلحة التي أراد المشرع حمايتها0 *
جرائم الخطر : النتيجة فيها تتمثل في مجرد خطر يهدد المصلحة التي يحميها القانون، فهذا الجرائم تستهدف حماية المصلحة من احتمال التعرض للخطر دون استلزام الإضرار الفعلي0
*
ثالثا - علاقة السببية :
لا يثير بحث العلاقة السببية اية صعوبة اذا كان سلوك الجاني هو العامل الوحيد الذي أدى الى النتيجة المعاقب عليها كمن يطلق عيارا ناريا على اخر فيقتله ، فيكفي لقيام السببية إسناد الفعل الى الجاني 0 الا انه غالبا ما تنضم الى فعل الجاني عوامل متعددة اخرى مستقلة عنه فتشترك معه في إحداث النتيجة الإجرامية، وتختلف العوامل التي تتضافر في إحداث النتيجة الإجرامية فمنها ما هو سابق على السلوك الإجرامي كأن يتم الاعتداء على شخص مصاب بمرض القلب مما يساعد على وفاته، ومنها ما يكون معاصرا كأن يطعن الجاني المجني عليه بسكين في ذات اللحظة التي يطلق فيها عليه اخر النار فيقتله، ومنها ما يكون لاحقا على السلوك الإجرامي كأن يطلق شخص النار على المجني عليه فيصيبه ولكن المصاب يهمل في العناية بإصابته مما يؤدي الى وفاته0
فهل تظل علاقة السببية قائمة بين فعل الجاني والنتيجة الإجرامية على الرغم من تدخل عوامل اخرى؟ للإجابة على هذا التساؤل وجدت عدة نظريات في علاقة السببية .
أولا - نظريات السببية :
1- نظرية تعادل الأسباب : ان جميع العوامل التي تساهم في إحداث النتيجة الإجرامية تعتبر عوامل متكافئة متعادلة، فكل واحد يعتبر سببا في إحداث النتيجة التي لولاه لما كانت لتقع وبغض النظر عن قيمة كل سبب منفردا0 فعلاقة السببية بين سلوك الجاني والنتيجة تعتبر قائمة ما دام سلوكه أحد العوامل اللازمة لتحقيقها بالإضافة الى الأسباب الأخرى التي ساهمت معه، فسلوك الجاني هو السبب الأول الذي أدى الى سير الامور على النحو الذي انتهت اليه ولولاه لبقيت العوامل الأخرى عاجزة عن تحقيق النتيجة0 فلو طعن شخص اخر فأصابه ونقل الى المستشفى وهناك شب حريق أدى الى موته حرقا ، تنسب الوفاة الى سلوك الجاني لانه هو السلوك الأول الذي أدى الى سير الامور على الوجه الذي انتهت اليه0
أما اذا كان انتفاء سلوك الجاني لم يكن ليؤثر على تحقيق النتيجة فان رابطة السببية لا تقوم بين سلوكه والنتيجة التي تحققت0
وقد انتقدت نظرية تعادل الأسباب على النحو التالي :
أنها غير منطقية لأنها تؤدي الى توسع غير مقبول في علاقة السببية إذ تحمل الجاني نتائج العوامل الأخرى التي ساهمت مع فعله في إحداث النتيجة0 *
أنها تناقض نفسها حيث أنها تقر ان الأسباب كلها متعادلة في إحداث النتيجة ثم تعود وتختار نشاط الجاني وحده لتلقي عليه وحده مسئولية النتيجة0
*
2- نظرية السبب الأقوى او الفعال : يسأل الجاني عن النتيجة متى كان نشاطه هو السبب الفعال او الأقوى في حدوثها، أما العوامل الأخرى التي ساعدت في إحداث النتيجة تعتبر ظروفا لا أسبابا لان فعل الجاني كان كافيا لوحده لإحداث النتيجة، فإذا قام بالدور الفعال عامل اخر سابق على فعل الجاني او لاحق عليه فان هذا العامل يعتبر سببا لوفاة المجني عليه ، ويعد فعل الجاني مجرد ظرف0 ولذلك فان السببية تتطلب ارتباطا ماديا ومباشرا بين الفعل والنتيجة0
اخذ على هذه النظرية أنها وضعت معيارا غامضا يحتاج الى تحديد فمتى يعتبر فعل الجاني عاملا فعالا او أساسيا - كما أنها تضيق من نطاق السببية وبالتالي المسئولية الجنائية0
3- نظرية السببية الملائمة : لا يعتبر نشاط الجاني سببا لوقوع نتيجة إجرامية معينة الا اذا تبين ان هذا النشاط صالح لإحداث تلك النتيجة وفقا للسير العادي للامور0 فيعتبر نشاط الجاني سببا في النتيجة ولو ساهمت معه في إحداثها عوامل اخرى ما دامت هذه العوامل متوقعة ومألوفة0
أما اذا تضافر مع نشاط الجاني في إحداث النتيجة عامل شاذ غير متوقع فانه ينفي رابطة السببية بين الوفاة وبين نشاط الجاني، ويسأل عن شروع في القتل اذا توافر لديه القصد0 ويقاس التوقع بمعيار موضوعي هو ما يتوقعه الشخص العادي اذا وجد في مثل ظروف الجاني0 ومن أمثلة العوامل المتوقعة المألوفة التي لا تقطع علاقة السببية ان يهمل المجني عليه في علاج نفسه إهمالا ينتظر عادة ممن كان في مثل ظروفه وبيئته ، او ان يخطئ الطبيب المعالج خطأ يسيرا في علاجه0 ويعد من قبيل العوامل الشاذة غير المألوفة التي تقطع علاقة السببية ان يتعمد المجني عليه عدم معالجة نفسه بقصد تسويء مركز المتهم، وخطأ الطبيب في علاج المجني عليه خطأ جسيما0
ثانيا - بيان السببية في الحكم :
لما كانت محكمة الموضوع ملزمة ببيان الواقعة في الحكم فانه يجب تضمين الحكم توافر علاقة السببية بين فعل الجاني والنتيجة فإذا خلا الحكم من بيان رابطة السببية فانه يكون مشوبا بالقصور في التسبيب متعينا نقضه0 ويعد الدفع بانتقاء علاقة السببية دفعا جوهريا يجب في حالة رفضه ان ترد عليه المحكمة بما يفنده والا كان حكمها قاصرا0 ويقدر قاضي الموضوع من وقائع الدعوى توافر علاقة السببية من عدمه ولا رقابة لمحكمة النقض في ذلك الا من حيث فصله في ان أمرا معينا يصلح قانونا لان يكون سببا لنتيجة معينة او لا يصلح0
ثالثا - معيار السببية في قانون العقوبات الاتحادي :
نص المشرع الاتحادي في المادة 32 عقوبات على تحديد ضابط لعلاقة السببية وقد اخذ بمعيار السبب الملائم0
المطلب الثاني : الجريمة الناقصة (الشروع في الجريمة)
في الجرائم ذات النتائج قد لا يتوصل الجاني الى تحقيق الجريمة كاملة اي إحداث النتيجة المقصودة وذلك بان يوقف نشاطه الإجرامي او يخيب أثره بسبب خارج عن إرادته، وعندئذ لا يكون هذا النشاط الناقص إجراميا الا اذا اتخذ صورة الشروع المعاقب عليه0
أولا : مراحل ارتكاب الجريمة : لا ترتكب الجريمة ذات النتيجة دفعة واحدة وإنما يمر الجاني في سبيل ارتكابها بمراحل متتالية :
مرحلة التفكير في الجريمة والتصميم عليها : تبدأ الجريمة بفكرة تراود الجاني حتى تثبت في ذهنه فيصمم على ارتكابها، ولما كانت هذه المرحلة نفسية محضة ليس لها اي وجود مادي خارجي ملموس ، فانه لا عقاب على ما يأتيه الجاني في هذه المرحلة ، وقد نص قانون العقوبات الاتحادي على عدم العقاب على هذه المرحلة في المادة 34/3 عقوبات0 1-
ويلاحظ ان المشرع اذا قدر ان بعض صور إعلان النية الإجرامية والعزم عليها تنطوي على خطر معين كما هو الحال في الاتفاق الجنائي او التهديد الكتابي او الشفوي بارتكاب جريمة (المواد من 315 الى 353 ع0 إ ) فانه يعاقب عليها بوصفها جريمة قائمة بذاتها0
مرحلة التحضير للجريمة : ان الجاني متى عقد العزم على ارتكاب جريمة معينة فانه لا ينفذها على الفور وإنما يبدأ في إعداد ما يلزم لارتكابها كشراء السلاح او تجهيز المادة السامة او تجهيز الأدوات اللازمة لكسر الخزائن ، ويشمل التحضير التواجد في المكان الذي يمكن معه تنفيذ الجريمة كالسير في الطريق الموصل الى المكان المراد سرقته 0 والقاعدة انه لا عقوبة على هذه الأعمال لتشجيع الفاعل على العدول و عدم التمادي في مشروعه الإجرامي، كما ان الأعمال التحضيرية ذاتها غالبا ما تكون غامضة ولا تكشف عن النية الإجرامية للفاعل فشراء السلاح قد يكون لغرض الدفاع عن النفس او الصيد وليس لغرض الاعتداء0 وقد نص المشرع الاتحادي في (المادة 34) على عدم العقاب على الأعمال التحضيرية0 ومع ذلك فان القانون قد يعاقب على الأعمال التحضيرية باعتبارها جرائم قائمة بذاتها اذا كانت تشكل خطورة تهدد مصلحة المجتمع او كانت تدل على خطورة خاصة لدى مرتكبها مثل تجريم إحراز السلاح بدون ترخيص0 وقد يجعل المشرع الأعمال التحضيرية ظرفا مشددا لبعض الجرائم، فحمل السلاح اذا ضبط مع الجاني أثناء ارتكاب جريمة السرقة فان العقاب يشدد عليه0 وقد يجعل المشرع الأعمال التحضيرية وسيلة اشتراك في الجريمة بطريق المساعدة كمن يسلم سلاحا لاخر لاستخدامه في القتل فيسأل عن جريمة القتل باعتباره شريكا فيها بالمساعدة0
2-
مرحلة البدء في التنفيذ : بعد الانتهاء من الإعداد للجريمة يبدأ الجاني في تنفيذ الركن المادي لها ، وهنا يتدخل المشرع بالعقاب لان البدء في التنفيذ يهدد الحق او المصلحة التي يحميها القانون. وعندما يبدأ الجاني في التنفيذ قد يتمكن من تحقيق النتيجة الإجرامية فتقع الجريمة تامة ، وقد يعجز عن تحقيق النتيجة التي أراد تحقيقها لسبب خارجي لا دخل لإرادته فيه ، وعندئذ نكون بصدد الشروع في الجريمة الذي يعاقب عليه المشرع ، وقد يعدل الجاني باختياره عن المضي في تنفيذ نشاطه الاجرامي0 وهنا يرى المشرع عدم توقيع العقاب تشجيعا للجاني على عدم التمادي في ارتكاب الجريمة الا اذا كان سلوكه يكون جريمة اخرى مستقلة فيعاقب عليها0 3-
مرحلة إتمام الجريمة : تقع الجريمة تامة اذا اكتملت أركانها وعناصرها كما نص عليها القانون وذلك بتمام النشاط الإجرامي ووقوع النتيجة الإجرامية التي ارادها0
4-
ثانيا : أركان الشروع :
عرف الشرع الاتحادي الشروع في المادة (34 ع0 إ) بقوله " الشروع هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جريمة اذا أوقف او خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الجاني فيها " 0 ويتضح من ذلك ان الشروع لا يكون الا بالنسبة للجرائم ذات النتائج كالقتل او السرقة، ولا يتصور وجوده في الجرائم الشكلية او جرائم السلوك حيث يتكون ركنها المادي من مجرد سلوك تتم الجريمة بارتكابه او لا يقع فلا تقوم الجريمة مثل جريمة السب و القذف0 كما ان الشروع يقتصر على الجرائم العمدية التي يسعى فيها الجاني الى تحقيق نتيجة معينة، لان الجاني في الجرائم غير العمدية يريد السلوك ولا يريد النتيجة ولا يسعى اليها ولذلك لا يتصور الشروع فيها0 ومن التعريف الذي أورده المشرع يتضح ان الشروع يقوم على أركان ثلاثة هي :
البدء في تنفيذ فعل0 *
القصد الجنائي0 *
عدم ارتكاب الجريمة لأسباب لا دخل لإرادة الجاني فيها0
*
أولا : البدء في التنفيذ :
معيار البدء في التنفيذ : لم يضع المشرع معيارا للتفرقة بين ما يعد من الأعمال التحضيرية وما يعد من الأعمال التنفيذية رغم أهمية التفرقة بينهما حيث يدخل النوع الأول في نطاق الأعمال المباحة بينما يدخل النوع الثاني في نطاق الأعمال المعاقب عليها0 وتعرض في الواقع حالات واضحة لا يثار بشأنها اي صعوبات فيسهل التمييز بينها، كمن يشتري سلاحا او يعد خنجرا للقتل يعد عملا تحضيريا، أما ضبط الجاني وهو يطلق السلاح الناري على المجني عليه وإصابته في غير مقتل فانه يعد بدء في تنفيذ القتل اي شروعا فيه0 ولكن هناك حالات لا تعرض دائما بهذا الوضوح، وتتأرجح بين العمل التحضيري والبدء في التنفيذ مما استدعى ضرورة البحث عن معيار واضح يميز بينهما ، واختلفت الآراء بشأنه الى مذهبين :
1-
المذهب الموضوعي : يرى أنصار هذا الاتجاه ان الضابط في تحديد العمل التنفيذي من العمل التحضيري هو الفعل المكون للجريمة كما ورد في النموذج القانوني لها، وبناء عليه فان الجاني لا يعد شارعا في جريمة السرقة الا اذا وضع يده على المال المراد سرقته اي بدأ في تنفيذ فعل الاختلاس الذي يقوم به ركنها المادي، أما الأفعال السابقة على ذلك فتدخل في الأعمال التحضيرية التي لا يعاقب عليها بوصف الشروع مثل كسر الخزانة التي تحتوي على الأشياء المسروقة0
أ-
وعلى الرغم من وضوح هذا المعيار وسهولة تطبيقه الا انه عيب عليه انه يضيق من نطاق الشروع في الجريمة مما يؤدي الى إفلات كثير من الجناة من العقاب رغم خطورة ما ارتكبوه من افعال0 وإزاء شعور أنصار هذا المعيار بنقصه حاولوا التوسع فيه وقالوا ان البدء في التنفيذ يتوافر اذا حقق الجاني بسلوكه ما يعتبر ظرفا مشددا للجريمة، وعليه يعتبر شروعا في جريمة السرقة حالة ما اذا ضبط الجاني وهو يتسلق سور المنزل باعتباره ظرفا مشددا لجريمة السرقة0
غير ان الأخذ بهذا الرأي يؤدي الى نتائج غير مقبولة ، حيث توجد بعض الجرائم ليست لها ظروف مشددة كجريمة النصب ، وبعض الظروف المشددة كظرف الليل والخدمة في جريمة السرقة لا يتصور البدء في التنفيذ بالنسبة لها0
ولذلك ذهب أصحاب هذا المذهب الى القول بمعيار ثالث مؤداه ان الفعل يعتبر بدء في التنفيذ اذا كان دالا بذاته على اتجاه إرادة الجاني الى ارتكاب جريمة معينة كتصويب سلاح ناري على شخص0 أما اذا كان الفعل غير قاطع في دلالته على ارتكاب جريمة معينة إذ قد يصح ان يكون مقصودا به تحقيق أغراض أخرى تحمل التأويل فانه يعد عملا تحضيريا لا عقاب عليه ، كما هو الحال بالنسبة لشراء سلاح او حمله0
ولقد اخذ على هذا الرأي انه من النادر ان يكون للفعل دلالة واحدة مما يؤدي الى إفلات الكثير من الأفعال الخطرة من العقاب على أساس أنها لا تمثل شروعا، فدخول منزل الغير بقصد السرقة لا يعد شروعا في هذه الجريمة لان واقعة الدخول في منزل الغير تحتمل التأويل 0
المذهب الشخصي : لا يعتمد أنصار هذا الاتجاه على ماديات الفعل الإجرامي للتفرقة بين البدء في التنفيذ والعمل التحضيري، وإنما ينظر الى الأفعال التي يأتيها الجاني والتي تكشف على خطورة الجاني وعزمه الأكيد على بلوغ النتيجة الإجرامية 0 وقد اختلف أنصار المذهب الشخصي في صيغة هذا الضابط0 ولعل افضل الصيغ هو الذي قال به الفقيه الفرنسي "جارو" والذي يرى ان الجاني يعتبر قد بدأ في التنفيذ اذا ارتكب سلوكا يؤدي حالا ومباشرة الى الركن المادي للجريمة كما وصفه نموذجها في القانون ، ولو لم يكن السلوك قد حقق بالفعل بداية هذا الركن المادي، ولذلك لا يلزم لقيام الشروع في السرقة ان يضع الجاني يده بالفعل على المال المراد سرقته بل يكفي ان يكون قد أتى فعلا يكون من شأنه ان يؤدي الى ذلك حالا ومباشرة0
ب-
وقد اخذ على هذا الرأي ان اشتراطه ان يكون الفعل مؤديا حالا الى الركن المادي للجريمة قد يؤدي الى إفلات عدد من صور السلوك الخطرة والتي لا تتحقق النتيجة فيها الا بعد فترة طويلة نسبيا ، كمن يحفر نفقا تحت خزائن بنك لسرقتها، لذلك استبعد لفظ حالا من معيار البدء في التنفيذ ويكتفي في تعريف الشروع بأنه " الفعل المؤدي مباشرة الى ارتكاب الجريمة"0
مذهب قانون العقوبات الاتحادي : تبنى المشرع الاتحادي معيارا مختلطا يجمع بين المذهبين المادي والشخصي ويستفاد ذلك من نص المادة (34 ع0 إ) التي نصت على انه " ويعد بدء في التنفيذ ارتكاب فعل يعتبر في ذاته جزء من الأجزاء المكونة للركن المادي للجريمة او يؤدي اليه حالا ومباشرة". ج-
ثانيا : القصد الجنائي في الشروع : ان الركن المعنوي في الشروع يتمثل في قصد ارتكاب الجريمة في صورة تامة الا ان نتيجتها لا تتحقق بسبب خارج عن إرادة الفاعل حال في اللحظة الأخيرة دون وقوعها0 ولذلك فان القصد الجنائي يتوافر في الشروع على نفس النحو الذي يتوافر فيه في الجريمة التامة فيتمثل في انصراف إرادة الجاني الى ارتكاب النشاط الإجرامي والى تحقيق النتيجة الإجرامية مع العلم بعناصر الجريمة القانونية.
وبناء على ذلك فان الشروع يتوافر في الجرائم العمدية ولا يتصور أبدا في الجرائم غير العمدية كالقتل الخطأ لان إرادة الجاني فيها تتجه الى السلوك الإجرامي دون إرادة تحقيق النتيجة التي تقع بسبب ما يشوب السلوك من إهمال او عدم حيطة0 وكذلك لا شروع في الجرائم المتعدية القصد كما هو الشأن في جريمة الضرب المفضي الى عاهة مستديمة فالجاني لما باشر الضرب لم يقصد إحداث العاهة المستديمة والا اعتبرت العاهة عمدية ومن ثم فانه لا يتصور الشروع بالنسبة لنتيجة لم يقصدها الجاني0
ثالثا : عدم تمام الجريمة لسبب غير إرادي :
أولا : صور الشروع :
الجريمة الموقوفة : هي الصورة التي يبدأ الجاني فيها نشاطه الإجرامي الا ان هذا النشاط يوقف و لا يكتمل بسبب لا دخل لإرادة الفاعل فيه ، ومن ثم لا تحدث النتيجة التي كان يسعى الى تحقيقها ، مثال ذلك من يصوب سلاحه نحو المجني عليه بقصد قتله فيتدخل شخص ثالث ويمسك السلاح ويطلق على هذه الحالة الجريمة الموقوفة0
1-
الجريمة الخائبة : يستنفذ الجاني في هذه الصورة كل نشاطه الإجرامي في سبيل ارتكاب الجريمة وتحقيق النتيجة ولكن رغم ذلك لا تتحقق هذه النتيجة لسبب لا دخل لإرادة الجاني فيه ، مثال ذلك من يطلق عيارا ناريا على شخص بقصد قتله ولكنه يخطئه او يصيبه في غير مقتل ويشفى بعد علاجه0 ولأن اثر الجريمة خاب رغما عن الجاني تسمى هذه الصورة بالجريمة الخائبة0 2-
الجريمة المستحيلة : هي الجريمة التي يستنفذ فيها الجاني كل نشاطه الإجرامي ومع ذلك لا تحقق النتيجة لاستحالة وقوعها أصلا 0 فالجريمة المستحيلة تشبه الجريمة الخائبة من حيث ان الجاني استنفذ كل نشاطه الإجرامي لتحقيق النتيجة الإجرامية ، ولكنها تختلف عن الجريمة الخائبة ، فهذه الأخيرة ممكنة الوقوع وكان من الممكن ان تتحقق نتيجتها لولا تدخل أسباب طارئة ، فلو نفذت الجريمة بمعرفة شخص اخر اكثر دراية لتحققت النتيجة0 أما الجريمة المستحيلة فهي جريمة غير ممكنة الوقوع أصلا لاستحالة تحقق النتيجة وقت مباشرة الجاني نشاطه، كمن يطلق الرصاص على شخص بقصد قتله فإذا به ميت قبل ذلك. 3-
وقد ترجع الاستحالة الى وسيلة تنفيذ الجريمة كاستخدام مادة غير سامة في القتل، وقد تتعلق بمحل الجريمة كما لو كان المجني عليه مات قبل إطلاق النار عليه 0
وقد اختلف الفقه بشأن الجريمة المستحيلة وهل تعتبر نوعا من الجريمة الخائبة او أنها تنفرد بحكم خاص؟
*
عدم العقاب على الجريمة المستحيلة : ذهب البعض الى عدم العقاب على الجريمة المستحيلة سواء أكانت الاستحالة تتعلق بالوسيلة المستعملة ام بموضوع الجريمة، لان القانون يتطلب للعقاب على الشروع البدء في تنفيذ الفعل ، فإذا كانت الجريمة مستحيلة كان البدء في تنفيذها مستحيلا، وبذلك يتعذر قيام الركن المادي للجريمة فتنتفي الجريمة وينتفي الشروع فيها0 1-
وقد انتقد هذا الرأي على أساس انه يؤدي الى تهديد مصلحة المجتمع بعدم العقاب على أفعال رغم دلالتها على خطورة الجناة0
التفرقة بين الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية : تكون الاستحالة مطلقة اذا كانت ترجع الى أسباب يستحيل معها ان تقع الجريمة مطلقا، إما بسبب انعدام موضوع الجريمة كمن يطلق النار على شخص فارق الحياة قبل ذلك، او بسبب عدم صلاحية الوسيلة المستخدمة لإحداث النتيجة كمن يحاول قتل شخص بمادة غير سامة0 2-
أما الاستحالة النسبية فهي الاستحالة التي لا يمكن معها للجريمة ان تقع في الظروف التي ارتكبت فيها وان كانت في الأصل ممكنة الوقوع لوجود موضوعها وصلاحية الوسيلة المستخدمة في التنفيذ0 وقد تتعلق الاستحالة النسبية بالوسيلة كمن يضع في طعام المجني عليه كمية من السم لا تكفي لإحداث الوفاة0 وقد تتعلق بموضوع الجريمة كمن يطلق النار على شخص في مكان اعتاد على التواجد به ولكنه تصادف عدم وجوده به لحظة إطلاق النار0 وتأخذ الاستحالة النسبية حكم الشروع المعاقب عليه0
وقد اخذ على هذا الرأي انه يقيم تفرقة تحكمية للاستحالة ، فالجريمة إما ان تكون ممكنة او مستحيلة ولا وسط بينهما0
الاستحالة المادية والاستحالة القانونية : تكون الاستحالة قانونية اذا انعدم في الجريمة أحد أركانها التي نص عليها القانون كركن الحياة في جريمة القتل ، فمن يطلق مقذوفا على شخص ميت لا يعد قاتلا، ففي هذه الحالة لا يوقع العقاب على ما أتاه الشخص من نشاط لعدم إمكان قيام الجريمة0 3-
وتكون الاستحالة مادية اذا كان تحقق النتيجة ممكنا من الناحية القانونية لتوافر العناصر المكونة للجريمة، ولكن عدم تحققها يرجع الى ظروف مادية لا دخل لإرادة الجاني فيها، مثال ذلك من يطلق عيارا ناريا على المكان الذي تعود المجني عليه ان ينام فيه بقصد قتله ولكن تصادف عدم وجوده به في ذلك الوقت، وفي هذه الحالة يعاقب الجاني باعتباره شارعا في الجريمة0
وقد اخذ على هذا الرأي انه ينتهي الى ذات النتائج التي توصل اليها الاتجاه السابق الذي يفرق بين الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية0
العقاب على الجريمة المستحيلة بكافة صورها : ذهب البعض الى وجوب العقاب على الجريمة المستحيلة أيا كانت صورتها سواء كانت مطلقة او نسبية او قانونية او مادية0 فتوافر الشروع لا يتوقف على البدء في تنفيذ عمل يدخل في تكوين الركن المادي للجريمة وإنما يكفي ان يأتي الفاعل أعمالا تقطع بنيته الإجرامية لارتكاب الجريمة، وعلى ذلك يعاقب الجاني بوصفه شارعا في الجريمة متى تعمد ارتكابها واتخذ لتحقيقها وسيلة صالحة في نظره الا اذا كانت الوسيلة التي استخدمها تدل على سذاجته كما لو لجأ الى السحر لقتل شخص معين0 4-
وقد انتقد هذا الاتجاه على أساس انه يوسع من نطاق العقاب حيث يكتفي بالنية الإجرامية لاستحقاق العقاب الأمر الذي قد يؤدي الى العقاب على الجريمة المستحيلة في صورة الجريمة الظنية او الوهمية التي ليس لها وجود قانوني في الواقع0
موقف قانون العقوبات الاتحادي :
لم يتعرض قانون العقوبات الاتحادي ولا القانون المصري لمشكلة الجريمة المستحيلة0
ثانيا : العدول الاختياري :
مفهوم العدول : الشروع هو ان يكون التنفيذ قد أوقف او خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الجاني فيها وهذا يعني بمفهوم المخالفة انه حيث تتدخل إرادة الجاني لوقف التنفيذ او عدم تحقق النتيجة لا يقوم الشروع قانونا، ويحدث ذلك حين يتوقف الجاني بمحض إرادته عن المضي في تنفيذ جريمته حتى يبلغ هدفه على الرغم من استطاعته ذلك0 والحكمة من عدم العقاب على هذه الصورة هو تشجيع الفاعل على عدم المضي في تنفيذ جريمته لانه لو علم ان العقاب سيحل به عدل او لم يعدل عنها لفضل انهاءها0 1-
شروط العدول الاختياري : 2-
ان يكون الجاني قد بدأ فعلا في تنفيذ جريمته اي بلغ مرحلة الشروع وقبل إتمامها، فلا مجال للبحث في وجود العدول الاختياري من عدمه بالنسبة للأعمال التحضيرية0
أ-
يجب ان يكون العدول الاختياري تلقائيا نابعا من ذات الجاني لا من أسباب خارجة عن إرادته، ومثال ذلك ان يتأهب الجاني لإطلاق عيار ناري على المجني عليه بعد ان صوب سلاحه اليه ثم يعدل عن إطلاق الرصاص بدافع الندم او خشية من العقاب0 فيجب إذن الا يكون الجاني مضطرا للعدول إذ في هذه الحالة ينتفي دور الإرادة في عدوله0
ب-
ويترتب على العدول الاختياري عدم معاقبة الجاني عن الشروع في الجريمة التي بدأ في تنفيذها بقصد ارتكابها، ولكن ليس هناك ما يمنع من معاقبته اذا كانت الأعمال التنفيذية التي قام بها تكون عناصر جريمة اخرى نص عليها القانون بصفة مستقلة0
العدول الاضطراري : يرجع الى عوامل خارجية مستقلة عن إرادة الجاني أجبرته على إيقاف تنفيذ جريمته، كمن يحاول سرقة محتويات منزل غير انه يتعرض لمقاومة المجني عليه فيعجز عن التغلب عليه، او ان يشهر الجاني خنجره ليطعن به المجني عليه الا ان أحدا يقبض على ذراعه، في هذه الحالة ليس لهذا العدول أي اثر ويظل الشروع معاقبا 0 3-
ثالثا - العقاب على الشروع في قانون العقوبات الاتحادي :
تقتصر أحكام الشروع على الجنايات والجنح ولا شروع في المخالفات0
مقدار العقاب على الشروع في الجنايات : نصت المادة 35 من قانون العقوبات على انه " يعاقب على الشروع في ارتكاب الجناية بالعقوبة التالية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك : 1-
السجن المؤبد اذا كانت العقوبة المقررة للجريمة الاعدام0 أ-
السجن المؤقت اذا كانت العقوبة المقررة للجريمة السجن المؤبد0 ب-
السجن مدة لا تزيد على نصف الحد الاقصى المقرر للجريمة او الحبس اذا كانت العقوبة السجن المؤقت0 ج-
ويلاحظ ان التخفيف الذي أورده المشرع في نص المادة (35 ع0 إ) قد ورد في شأن العقوبات الاصلية وهذا يعني ان العقوبات الفرعية والتدابير الجنائية توقع دون تعديل0
مقدار العقاب على الشروع في الجنح : تنص (المادة 36 ع0 إ) على انه لا عقاب على الشروع في الجنح الا اذا نص القانون على خلاف ذلك 0 وتعدد النصوص التي تقضي بالعقاب على الشروع في الجنح مقدار عقوبة هذا الشروع .
2-
المبحث الثاني : الركن المعنوي :
لا يكفي لقيام الجريمة واستحقاق العقاب عنها مجرد تحقق الركن المادي وإنما يلزم فضلا عن ذلك ان يتوافر الركن المعنوي0 وقد يتخذ الركن المعنوي في الجريمة صورة القصد الجنائي فتكون الجريمة عمدية وقد يتخذ صورة الخطأ فتكون الجريمة غير عمدية.
المطلب الأول : القصد الجنائي :
أولا - ماهية القصد الجنائي : نص المشرع الاتحادي على القصد الجنائي في المادة38 /1 ع0 إ ويتضح منها ان القصد الجنائي او العمد هو اتجاه إرادة الجاني نحو ارتكاب الجريمة مع العلم بأركانها وعناصرها كما يتطلبها القانون، فالقصد الجنائي يقوم على عنصرين الإرادة والعلم0
الإرادة : تتمثل الإرادة في نشاط نفسي يتجه الى تحقيق غرض معين عن طريق وسيلة معينة ، وهي عنصر لازم في جميع صور الركن المعنوي سواء اتخذ صورة العمد او الخطأ غير العمدي، ففي العمد تتجه الإرادة الى الفعل والنتيجة أما في حالة الخطأ غير العمدي فإنها تنصرف الى الفعل دون النتيجة، فإذا أطلق شخص عيارا ناريا على شخص معين بقصد قتله يسأل عن جريمة قتل عمدية ، أما اذا أطلق العيار الناري ابتهاجا فأصاب شخصا فقتله فانه يسأل عن قتل غير عمدي لانه لم يرد تحقيق النتيجة0
1-
حكم الباعث على الجريمة : هو القوة المحركة للإرادة او العلة النفسية التي تدفع الجاني الى ارتكاب الجريمة مثل الانتقام ، الغيرة ، الاستفزاز ، البغضاء 0 والباعث على الجريمة ليس ركنا من أركانها او عنصرا فيها ومن ثم فلا اثر له في وجود الجريمة او انعدامها، وهذا ما قضت به المادة (40 ع0 إ)0 *
ولكن قد يكون للباعث أثره في تقدير العقوبة التي يحكم بها القاضي وفقا لسلطته التقديرية، فإذا كان الباعث الذي حمل الجاني على ارتكاب الجريمة شريفا فانه يخفف العقوبة كما لو قتل شخص زوجته ليخلصها من آلام المرض، أما اذا وجد ان الباعث كان خبيثا فانه يشدد العقوبة0 وقد يعتد المشرع بالباعث من ذلك جعله ارتكاب الجريمة لبواعث غير شريرة او لاستفزاز خطير صادر من المجني عليه عذرا مخففا (المادة 96 ع0 إ)0
العلم : يجب لتوافر القصد ان يعلم الجاني بعناصر الجريمة من حيث الواقع والقانون0 2-
أولا - العلم بالوقائع : سوف نتناول بالدراسة الوقائع التي يلزم إحاطة علم الجاني بها والوقائع التي لا يلزم إحاطة علمه بها ثم موضوع الجهل والغلط بالوقائع0
1- الوقائع التي يلزم إحاطة علم الجاني بها :
*العلم بكافة عناصر الركن المادي : لكل جريمة ركنها المادي الخاص بها فيلزم ان يتوافر علم الجاني بكافة عناصره على النحو التالي :
أ- العلم بالواقعة المكونة لنشاطه الإجرامي : يجب ان يعلم الجاني ان فعله يكون عدوانا على الحق الذي يحميه القانون، ففي جريمة القتل يلزم ان يعلم الجاني ان يوجه فعله ضد إنسان حي بغية إزهاق روحه فإذا انتفى هذا العلم انتفى القصد الجنائي0 فإذا استلزم المشرع لقيام بعض الجرائم ثبوت ارتكاب الفعل في مكان معين او في زمن معين او بوسيلة معينة فيجب ان ينصرف علم الجاني الى ذلك حتى يتوافر القصد لديه ، فجريمة زنا الزوج لا تقوم الا اذا ارتكبت في منزل الزوجية (م 334/2 ع0 إ) فيلزم ان يعلم الزوج وشريكته في الزنا بأن المكان الذي يرتكب فيه الزنا هو بيت الزوجية0 وكذلك اذا تطلب المشرع لارتكاب جريمة معينة ان تكون الوسيلة المستخدمة عنصرا فيها وجب ان يحيط الجاني علمه بها كعلمه بالطرق الاحتيالية التي تقوم بها جريمة النصب (م 330 ع0 إ) 0
ب- توقع النتيجة : يجب ان يعلم الجاني بان النتيجة الإجرامية سوف تترتب كأثر مباشر لفعله، فيتعين ان يتوقع النتيجة الإجرامية بعناصرها التي يحددها القانون ففي جريمة القتل على الجاني ان يتوقع حدوث الوفاة من جراء فعل الاعتداء الذي أتاه، فإذا لم يتوقع النتيجة انتفى القصد الجنائي لديه0
ج- توقع علاقة السببية : يجب على الجاني ان يتوقع كيفية حدوث النتيجة الإجرامية كأثر للفعل0
*- الظروف المشددة التي تغير من وصف الجريمة : تأخذ هذه الظروف حكم الأركان فيلزم لمحاسبة الجاني عنها ان يكون عالما بها، ذلك ان الظرف الذي يغير من وصف الجريمة ينشئ في الحقيقة جريمة جديدة، فظرف حمل السلاح في جريمة السرقة ظرف مشدد يقلب الجريمة من جنحة الى جناية لذلك يجب ان ينصرف علم الجاني اليه وهذا ما قضت به المادة (41 ع0 إ)0
* العنصر المفترض : اذا نص القانون على عنصر مفترض للجريمة فيجب ان يعلم الجاني به، فإذا كان يجهل وجوده انتفى القصد لديه، ولذلك ينتفي القصد الجنائي في جريمة القتل العمد اذا كان الجاني يجهل ان فعله يرد على إنسان حي (م 332 ع0 إ)0
2 - الوقائع التي لا يلزم إحاطة علم الجاني بها :
* عناصر الأهلية الجنائية : تقوم الأهلية الجنائية على عنصري الإدراك والتمييز وتنتفي بما ينفي الإدراك كالجنون او ينفي التمييز كحالة الصبي غير المميز 0 وان انتفاء العلم بعناصر الأهلية الجنائية لا يحول دون قيام القصد ، فمن يعتقد وقت ارتكاب الفعل انه مصاب بعاهة في عقله اي فاقد الإدراك ، ثم يثبت للقاضي انه كان في ذلك الوقت مكتمل القوى العقلية فان القصد الجنائي يعد متوافرا لديه0
* الظروف المشددة التي لا تغير من وصف الجريمة : لا يتطلب القانون العلم بهذا النوع من الظروف لأنها ليست من أركان الجريمة، فمن يجهل ظرف سبق الإصرار في القتل لدية تشدد عقوبته0
* النتائج المتجاوزة قصد الجاني : قد يقصد الجاني نتيجة إجرامية معينة حين مباشرته نشاطه الإجرامي فتقع نتيجة اخرى اشد جسامة من تلك التي قصدها 0 فإذا كان القانون يتطلب ان يتوقع الجاني النتيجة الأقل جسامة اي القريبة ويحيط علمه بها فانه لم يتطلب ان يعلم بالنتيجة الجسيمة، وعليه فمن يرتكب جريمة ضرب يسأل عن الوفاة التي يفضي اليها فعله وان لم يتوقع ذلك0
3 - الجهل بالوقائع او الغلط فيها :
الجهل بالواقعة يعني انتفاء العلم بها مطلقا أما الغلط فيها فيعني العلم بالواقعة على نحو مغاير لحقيقتها0 ويشترك الجهل والغلط في ان كليهما ينتفي فيه العلم بحقيقة الواقعة الإجرامية وقد استقر الفقه على استخدام لفظ الغلط للدلالة على كل الحالات التي ينتفي فيها العلم بالحقيقة0
فإذا انصب الغلط على عنصر أساسي لازم لقيام الجريمة اي حالة الغلط الجوهري فانه ينفي القصد الجنائي ولكنه قد تقوم مسئولية الجاني عن الجريمة في صورتها غير العمدية.
أ- الغلط في ركن من أركان الجريمة : اذا ورد الغلط على ركن من أركان الجريمة فانه يؤدي الى انتفاء القصد الجنائي ، ففي جريمة القتل مثلا اذا خرج صياد للصيد فسمع حركة بين الأشجار فأطلق الرصاص معتقدا انه حيوان فإذا به يقتل إنسانا فانه لا يسأل عن قتل عمدي لانتفاء القصد لديه لان غلطه انصب على نتيجة الجريمة0 الا ان الجاني قد يظل مسئولا عن فعله على أساس الخطأ غير العمدي0
ب- الغلط في ظرف من الظروف المشددة : قد يلحق بالجريمة ظرف من الظروف المشددة للعقوبة مثل ظرف الخادم في السرقة (المادة 388/3 ع إ) كما لو سرق خادم منقولات مملوكة لمخدومه معتقدا أنها مملوكة لغيره، اي يجهل الظرف المشدد للسرقة، فان القصد ينتفي بالنسبة للظرف المشدد0 أما الظروف المشددة العينية مثل الكسر في السرقة فقد قرر المشرع أنها تنطبق على جميع الجناة علموا بها ام جهلوها0
ج- الغلط في المجني عليه : لا ينتفي القصد الجنائي بوقوع الجاني في غلط ينصب على الشخص او الشخصية كمن يطلق النار على بكر وإذا هو في الحقيقة زيد لان الغلط ورد على صفة ثانوية في محل الجريمة فيسأل الجاني عن قتل عمدي لان القانون يحمي الحق في الحياة دون الاعتداد بصفات او ذات المجني عليه فيسأل الجاني عن قتل عمدي0
د- الحيدة عن الهدف : اذا اخطأ الجاني في توجيه فعله كمن يطلق النار على شخص فيخطئه وتصيب الرصاصة شخصا بجواره فيقتله ، يسأل الجاني عن جريمتين ، جريمة قتل عمد بالنسبة لمن ازهق روحه وشروع في قتل لمن أراد قتله فأخطأه0
ثانيا - العلم بالقانون :
1 - افتراض العلم بالقانون : العلم بالقانون الجنائي والقوانين العقابية المكملة له مفترض في حق كل إنسان فلا يقبل من أحد الاعتذار بجهله للقانون او الغلط فيه0 وقد نصت على هذه القاعدة المادة 42 ع0 إ 0 وعلى الرغم من انه واقعيا لا يعقل ان يحيط كل شخص بكل القوانين او ان يفهمها على الوجه الصحيح، الا ان هذا الافتراض تمليه المصلحة العامة حتى لا يحتج الأفراد بالجهل بالقانون الجنائي او الغلط في نصوصه مما يعطل أحكامه، ويفوت الأغراض الأساسية التي تهدف اليها الدولة من حقها في العقاب0
2- الجهل او الغلط في قانون غير قانون العقوبات : قصر المشرع في المادة 42 ع0 إ افتراض العلم بالقانون على القوانين الجنائية فقط، وهذا يعني انه يجوز للجاني ان يحتج بجهله احكام قوانين غير جنائية مثل القانون المدني والتجاري والإداري و الأحوال الشخصية، مثال ذلك ان يتعلق الجهل او الغلط بقاعدة من قواعد القانون المدني ، كمن يستأجر منزلا ويعثر على كنز مخبئ به فيستولي عليه معتقدا بأنه ملكه، جاهلا حكم القانون المدني الذي يقرر ان هذا الكنز يكون لمالك العقار الذي اكتشف فيه، في هذه الحالة ينتفي القصد الجنائي 0
ثانيا - وقت تحقق القصد الجنائي :
يجب ان يكون القصد الجنائي معاصرا للركن المادي للجريمة، اي معاصرا لارتكاب السلوك الإجرامي وتحقيق النتيجة الإجرامية 0 ولا صعوبة اذا توافر القصد في المرحلتين 0 فإذا توافر القصد وقت ارتكاب السلوك الإجرامي ثم انتفى وقت تحقق النتيجة فان الجاني يكون مسئولا عنها مسئولية عمدية، كمن يطلق النار على شخص بقصد قتله ثم يندم على فعله ويسارع الى إسعافه ولكنه يموت، فالجاني مسئول عن قتل عمدي بسيط0 أما اذا لم يتوافر القصد وقت مباشرة السلوك الإجرامي ولكنه توافر قبل تحقق النتيجة او وقت تحققها فلا اعتداد به ، كما لو أطلق شخص عيارا ناريا ابتهاجا فإذا به يصيب أحد الأشخاص فتمنى الجاني موته، فلا يسأل عن قتل عمدي بل يسأل عن جريمة قتل غير عمدية0
ثالثا - صور القصد الجنائي :
- 1 القصد العام والقصد الخاص :
القصد العام هو توجيه الإرادة نحو ارتكاب جريمة مع العلم بعناصرها القانونية، فهو يقوم على عنصري الإرادة والعلم ويستلزم القانون وجوده في جميع الجرائم العمدية، وقد يكتفي به في اغلب الجرائم0
وقد يتطلب المشرع أحيانا لقيام بعض الجرائم ان يكون ارتكابها لغاية معينة او ان يكون الدافع اليها باعث خاص، فيتخذ الركن المعنوي صورة القصد الخاص الذي يتكون من علم وإرادة منصرفين الى ارتكاب الجريمة ثم يضاف إليهما الغاية او الباعث0 ومن أمثلة الجرائم العمدية التي يتطلب فيها القانون قصدا خاصا جريمة التزوير حيث يتطلب القانون فيها بالإضافة الى تعمد تغيير الحقيقة ان تنصرف نية الجاني الى استعمال المحرر المزور (م 216/1 ع0 إ)0
ويلاحظ ان القصد الخاص يؤدي في الجريمة أحد دورين :
* قد يترتب على تخلفه عدم توافر الصفة الجنائية في الفعل مثل جريمة التزوير0
* وقد ينبني على عدم توافر القصد الخاص وقوع الفعل تحت نص جنائي اخر، فجريمة التعذيب لحمل المتهم على الاعتراف (المادة 242 ع0 إ) يشترط لانطباق حكم هذه المادة ان يقع التعذيب على المتهم بقصد حمله على الاعتراف، فإذا وقع التعدي من الموظف على المتهم ليس بقصد حمله على الاعتراف فإننا نكون بصدد جريمة استعمال قسوة (المادة 245 ع0إ)0
2- القصد المحدد والقصد غير المحدد :
يكون القصد الجنائي محددا اذا اتجهت إرادة الجاني الى تحقيق النتيجة الإجرامية في موضوع معين بالذات، كأن تتجه إرادة الجاني الى إزهاق روح شخص معين او عدة أشخاص معينين0 أما القصد غير المحدد فهو الذي تتجه فيه إرادة الجاني الى تحقيق النتيجة الإجرامية دون تحديد لموضوعها كأن تتجه إرادة الجاني الى إزهاق الروح دون تعيين للشخص او الأشخاص الذين يحتمل ان يكونوا ضحايا لفعله0
والمسلم به ان المشرع يسوي بين القصد المحدد والقصد غير المحدد إذ تتوافر بهما عناصر القصد الجنائي في جريمة القتل العمد لانه لا عبرة بشخص المجني عليه0
-3 القصد المباشر والقصد الاحتمالي :
أ - القصد المباشر هو الذي تتجه فيه إرادة الجاني الى تحقيق نتيجة إجرامية يرغب في إحداثها0 فقد يتوقع الجاني حدوث الوفاة كنتيجة حتمية وضرورية لفعله فيقدم رغم ذلك على ارتكاب فعل الاعتداء 0 ولما كانت النتيجة الإجرامية تترتب حتما على الفعل وتنجم عنه مباشرة فيمكن القول ان من أراد الفعل فقد أراد أيضا النتيجة، كمن يطلق الرصاص على شخص في مقتل فيقتله يسأل عن جريمة قتل عمدي0
ب - أما القصد الاحتمالي فهو الذي تتجه فيه إرادة الجاني الى الفعل مع توقع النتيجة كأثر ممكن لفعله يحتمل في تقديره ان تحدث او لا تحدث، ولكنه يقبل احتمال تحققها في سبيل تحقيق النتيجة التي يستهدفها بفعله ، مثال ذلك ان يقصد الجاني قتل " عمرو" فيضع له سما في طعامه ولكنه يتوقع ان يتناول معه "بكر" فيتوقع وفاته ثم يمضي في فعله راضيا بهذا الاحتمال ويحدث ان يأكل "بكر" مع "عمرو" فيموت فيسأل عن النتائج المترتبة على فعله مسئولية عمدية0
ويتميز القصد الاحتمالي عن الخطأ غير العمدي في ان الجاني في جريمة الخطأ غير العمدي كان باستطاعته توقع النتيجة او من واجبه توقعها وإذا توقعها فانه لا يرغب في حدوثها ويأمل في تجنبها0
رابعا - إثبات القصد الجنائي :
يجب على المحكمة التثبت من توافر القصد الجنائي، وإقامة الدليل على تحققه حتى تحكم بالإدانة 0 والقصد باعتباره حقيقة نفسية لا تستطيع المحكمة إثباته الا بطريق الاستدلال من المظاهر والأمارات الخارجية التي تحيط بفعل الجاني، وتنم عما يجول في نفسه وهو بذلك مسألة موضوعية يفصل فيها قاضي الموضوع، ويتعين ان يكون استخلاص ثبوت القصد الجنائي او انتفائه سائغا بأن تكون الأسباب التي تستند اليها المحكمة للقول بتوافر القصد تؤدي فعلا الى ثبوته0
المطلب الثاني - الخطأ غير العمدي :
أولا : ماهية الخطأ غير العمدي : لم يعرف المشرع الاتحادي الخطأ وإنما اكتفى بذكر بعض صوره في بيانه للجرائم غير العمدية من ذلك جرائم القتل والإصابة الخ
المبحث الأول : الركن المادي :
سنتناول بالدراسة عناصر الركن المادي في الجريمة التامة ثم دراسة الشروع في الجريمة0
المطلب الأول : الجرائم التامة :
يقوم الركن المادي في الجريمة التامة على ثلاثة عناصر هي : السلوك الإجرامي والنتيجة الضارة وعلاقة السببية بين السلوك والنتيجة0
أولا - السلوك الإجرامي :
ماهيته : السلوك الإجرامي هو النشاط الإرادي الخارجي الذي يصدر عن الجاني ليحقق النتيجة الإجرامية التي يعاقب عليها القانون0 فالجريمة تبدأ بفكرة في ذهن الجاني قد يصرف النظر عنها وقد يصمم على تنفيذها، والمشروع الجنائي لا يعاقب على النوايا الآثمة والمقاصد الشريرة مالم تخرج الى حيز الوجود في شكل سلوك مادي ملموس0 بل ان المشرع الجنائي لا يعاقب على الأفعال التي تعد من قبيل الأعمال التحضيرية وهي الأعمال المادية التي يباشرها الجاني استعدادا لتنفيذ الجريمة كإعداد الجاني السلاح الذي ينوي استخدامه في الجريمة0 ويرجع عدم العقاب على الأعمال التحضيرية لكونها لا تشكل خطرا يهدد المجتمع ولتشجيع الفاعل على العدول عن تنفيذ مشروعه الاجرامي0 1-
واستثناء قد يرى المشرع تجريم بعض صور التصميم على الجريمة والتحضير لها ، من ذلك : جريمة محاولة قلب نظام الحكم في الدولة (م 174 و 189 ع0 إ) وجريمة تكوين عصابة لمهاجمة طائفة من السكان او مقاومة رجال السلطة العامة في تنفيذ القوانين (م 186 ع0إ) ، فالمشرع يعاقب على هذه الجرائم باعتبارها جرائم مستقلة قائمة بذاتها لا بوصفها مرحلة في الجريمة المراد ارتكابها0
صور السلوك الإجرامي : ان السلوك الإجرامي قد يكون في صورة ارتكاب فعل يحظره القانون وهو الأمر في الجرائم الإيجابية، وقد يكون في صورة عدم القيام بفعل يأمر به القانون وهو الأمر في الجرائم السلبية0
2-
الفعل الإيجابي : هو كل حركة عضوية إرادية تصدر من الجاني ليتوصل بها الى ارتكاب جريمته، وهذه الحركة قد يؤديها بيده او ساقه او فمه او غير ذلك من أعضاء جسمه0 ويستوي في نظر القانون ان تقع هذه الحركة العضوية بأية كيفية او باستخدام اداة تنفذها او دون استخدام اية اداة، فمثلا القتل قد يقع بوسيلة قاتلة بطبيعتها كسلاح ناري، وقد يقع بوسيلة غير قاتلة بطبيعتها ولكن تؤدي الى إحداث الوفاة بحسب قصد الجاني منها وطريقة استخدامه لها كركل المجني عليه في مقتل ، بل ان القتل قد يقع حتى ولو لم يلامس الجاني جسم المجني عليه مباشرة كأن يضع له في فراشه ثعبانا ساما0 غير ان الحركات العضوية لا تكفي في الفعل لكي يكتسب قيمته الجنائية بل يلزم توافر عنصر اخر نفسي يتمثل في الإرادة التي تسبب الحركة العضوية، فإذا صدرت الحركة العضوية بغير قوة الإرادة فإنها حركة آلية لا تنسب الى صاحبها، فإذا أصيب شخص بإغماء مفاجئ فسقط على طفل فأصابه بجراح فان فعل الإصابة لا يسند اليه بل الى قوة الجاذبية الارضية0 أ-
والأصل ان المشرع لا يعتد بوسائل السلوك الإجرامي ولا بزمانه ولا مكانه الا انه استثناء قد يأخذ المشرع هذه الامور في الاعتبار.
فقد يشترط المشرع لقيام بعض الجرائم ان يكون وقوعها بوسائل معينة فمثلا يلزم استعمال النار في تخريب الأموال الثابتة او المنقولة (م 304 عقوبات اتحادي) واستخدام الطرق الاحتيالية في النصب (م 399 ع0 إ)0
وقد يعتبر المشرع الزمن الذي يرتكب فيه الفعل عنصرا يدخل في تكوين الجريمة مثل الإخلال العمدي بتنفيذ كل الالتزامات التي يفرضها عقد مقاولة او نقل او توريد او أشغال عامة مرتبط بها شخص مع الحكومة لحاجات القوات المسلحة فلا تعد جريمة الا اذا وقعت زمن الحرب (م 164/1 ع0 إ)0
أما عن مكان السلوك الإجرامي فقد يعتبره المشرع عنصرا يدخل في تكوين الجريمة كالسب والقذف العلني إذ يستلزم وقوعها في مكان علني (م 372 ع0 إ)0
الامتناع (الشكل السلبي للسلوك) : ب-
الامتناع هو إحجام الجاني عن القيام بعمل إيجابي يفرضه عليه القانون في ظروف معينة وعلى ذلك فان الامتناع يقوم بتوافر عناصر ثلاثة هي :
الإحجام عن أداء عمل إيجابي : لا يتألف الركن المادي في جرائم الامتناع من مجرد إحجام الجاني مجردا وإنما من ذلك الامتناع الذي يترك فيه الجاني أداء عمل معين يلزمه القانون بالقيام به ، ففي مقام التجريم يستوي لدى المشرع ان يقع اعتداء على الحق او المصلحة المحمية بارتكاب الفعل المجرم او بالتخلي عن أداء العمل الواجب، مثال ذلك امتناع الشاهد عن الإدلاء بشهادته أمام القاضي (م 261 ع0 إ)0
1-
وجود واجب يفرضه القانون : ان الامتناع المؤثم في قانون العقوبات هو ذلك الذي يرتب عليه المشرع الجنائي آثارا جنائية ، فإذا لم يكن هناك واجب قانوني يفرضه قانون العقوبات فلا جريمة في حق من أحجم عن الفعل، كمن يشاهد طفلا يعبث بأسلاك كهربائية عارية فلا يحذره حتى يصعقه التيار فيقتله0
2-
الصفة الإرادية للامتناع : مصدر الامتناع الإرادة والصفة الإرادية في الامتناع لا تقتصر على توجيه الإرادة الى عدم القيام بالالتزام الذي يفرضه القانون بل تنصرف الى عدم توجيهها للقيام به مع القدرة على ذلك، لان الإرادة تتطلب القدرة على التنفيذ حيث لا تكليف بمستحيل0
3-
ثانيا - النتيجة :
تردد الفقه الجنائي بين مدلولين للنتيجة : مدلول مادي وآخر قانوني0
1- المفهوم المادي للنتيجة : هي عبارة عن التغيير الذي يحدث في العالم الخارجي كأثر للسلوك الإجرامي، فإذا ترتب على الجريمة عدة آثار مادية في العالم الخارجي فان المشرع لا يعتد الا بأثر واحد يشترط تحققه لتمام الجريمة وهذا هو المقصود بالنتيجة.
فمن يرتكب فتلا يحدث اثر يتمثل في وفاة إنسان حي 0 ولا يلزم ان تتوافر النتيجة بمدلولها المادي في كل الجرائم حيث توجد طائفة من الجرائم يكفي لقيامها حدوث السلوك الإجرامي ، ولذلك تنقسم الجرائم الى :
جرائم ذات النتائج : هي الجرائم التي ينطوي ركنها المادي على نتيجة معينة مثل القتل0 *
جرائم شكلية : هي جرائم السلوك المجرد وتتميز بانعدام النتيجة فيها مثل جرائم إحراز وحمل السلاح دون ترخيص0
*
ثانيا : المفهوم القانوني للنتيجة : هي الاعتداء على المصلحة التي يحميها القانون سواء أدى هذا الاعتداء الى الإضرار بالمصلحة المعتدى عليها او تهديدها بالخطر0 فالنتيجة في القتل هي الاعتداء على حق الإنسان في الحياة ، وفي السرقة هي الاعتداء على حق الملكية والحيازة0 والنتيجة بهذا المفهوم ليست ضررا ماديا ينجم عن سلوك إجرامي وإنما عبارة عن ضرر معنوي يقع على حق يحميه القانون، ويترتب على ذلك ان لكل جريمة نتيجة، غاية الأمر ان هناك جرائم تكون لنتائجها مظهر ملموس كما هو الحال في القتل، وجرائم ليس لها مظهر ملموس ولكنها تمثل ضررا معنويا يقع على مصلحة يحميها القانون مثل جريمة امتناع الشاهد عن الحضور وأداء الشهادة التي تتمثل النتيجة فيها في اعتداء الفاعل على حق المجتمع في الاستعانة بفرد من أفراده في كشف الحقيقة0 ولذلك قسم الفقه الجرائم وفقا للمفهوم القانوني للنتيجة الى جرائم ضرر وجرائم خطر :
جرائم الضرر : هي التي تتمثل النتيجة فيها في تحقق ضرر فعلي على المصلحة التي أراد المشرع حمايتها0 *
جرائم الخطر : النتيجة فيها تتمثل في مجرد خطر يهدد المصلحة التي يحميها القانون، فهذا الجرائم تستهدف حماية المصلحة من احتمال التعرض للخطر دون استلزام الإضرار الفعلي0
*
ثالثا - علاقة السببية :
لا يثير بحث العلاقة السببية اية صعوبة اذا كان سلوك الجاني هو العامل الوحيد الذي أدى الى النتيجة المعاقب عليها كمن يطلق عيارا ناريا على اخر فيقتله ، فيكفي لقيام السببية إسناد الفعل الى الجاني 0 الا انه غالبا ما تنضم الى فعل الجاني عوامل متعددة اخرى مستقلة عنه فتشترك معه في إحداث النتيجة الإجرامية، وتختلف العوامل التي تتضافر في إحداث النتيجة الإجرامية فمنها ما هو سابق على السلوك الإجرامي كأن يتم الاعتداء على شخص مصاب بمرض القلب مما يساعد على وفاته، ومنها ما يكون معاصرا كأن يطعن الجاني المجني عليه بسكين في ذات اللحظة التي يطلق فيها عليه اخر النار فيقتله، ومنها ما يكون لاحقا على السلوك الإجرامي كأن يطلق شخص النار على المجني عليه فيصيبه ولكن المصاب يهمل في العناية بإصابته مما يؤدي الى وفاته0
فهل تظل علاقة السببية قائمة بين فعل الجاني والنتيجة الإجرامية على الرغم من تدخل عوامل اخرى؟ للإجابة على هذا التساؤل وجدت عدة نظريات في علاقة السببية .
أولا - نظريات السببية :
1- نظرية تعادل الأسباب : ان جميع العوامل التي تساهم في إحداث النتيجة الإجرامية تعتبر عوامل متكافئة متعادلة، فكل واحد يعتبر سببا في إحداث النتيجة التي لولاه لما كانت لتقع وبغض النظر عن قيمة كل سبب منفردا0 فعلاقة السببية بين سلوك الجاني والنتيجة تعتبر قائمة ما دام سلوكه أحد العوامل اللازمة لتحقيقها بالإضافة الى الأسباب الأخرى التي ساهمت معه، فسلوك الجاني هو السبب الأول الذي أدى الى سير الامور على النحو الذي انتهت اليه ولولاه لبقيت العوامل الأخرى عاجزة عن تحقيق النتيجة0 فلو طعن شخص اخر فأصابه ونقل الى المستشفى وهناك شب حريق أدى الى موته حرقا ، تنسب الوفاة الى سلوك الجاني لانه هو السلوك الأول الذي أدى الى سير الامور على الوجه الذي انتهت اليه0
أما اذا كان انتفاء سلوك الجاني لم يكن ليؤثر على تحقيق النتيجة فان رابطة السببية لا تقوم بين سلوكه والنتيجة التي تحققت0
وقد انتقدت نظرية تعادل الأسباب على النحو التالي :
أنها غير منطقية لأنها تؤدي الى توسع غير مقبول في علاقة السببية إذ تحمل الجاني نتائج العوامل الأخرى التي ساهمت مع فعله في إحداث النتيجة0 *
أنها تناقض نفسها حيث أنها تقر ان الأسباب كلها متعادلة في إحداث النتيجة ثم تعود وتختار نشاط الجاني وحده لتلقي عليه وحده مسئولية النتيجة0
*
2- نظرية السبب الأقوى او الفعال : يسأل الجاني عن النتيجة متى كان نشاطه هو السبب الفعال او الأقوى في حدوثها، أما العوامل الأخرى التي ساعدت في إحداث النتيجة تعتبر ظروفا لا أسبابا لان فعل الجاني كان كافيا لوحده لإحداث النتيجة، فإذا قام بالدور الفعال عامل اخر سابق على فعل الجاني او لاحق عليه فان هذا العامل يعتبر سببا لوفاة المجني عليه ، ويعد فعل الجاني مجرد ظرف0 ولذلك فان السببية تتطلب ارتباطا ماديا ومباشرا بين الفعل والنتيجة0
اخذ على هذه النظرية أنها وضعت معيارا غامضا يحتاج الى تحديد فمتى يعتبر فعل الجاني عاملا فعالا او أساسيا - كما أنها تضيق من نطاق السببية وبالتالي المسئولية الجنائية0
3- نظرية السببية الملائمة : لا يعتبر نشاط الجاني سببا لوقوع نتيجة إجرامية معينة الا اذا تبين ان هذا النشاط صالح لإحداث تلك النتيجة وفقا للسير العادي للامور0 فيعتبر نشاط الجاني سببا في النتيجة ولو ساهمت معه في إحداثها عوامل اخرى ما دامت هذه العوامل متوقعة ومألوفة0
أما اذا تضافر مع نشاط الجاني في إحداث النتيجة عامل شاذ غير متوقع فانه ينفي رابطة السببية بين الوفاة وبين نشاط الجاني، ويسأل عن شروع في القتل اذا توافر لديه القصد0 ويقاس التوقع بمعيار موضوعي هو ما يتوقعه الشخص العادي اذا وجد في مثل ظروف الجاني0 ومن أمثلة العوامل المتوقعة المألوفة التي لا تقطع علاقة السببية ان يهمل المجني عليه في علاج نفسه إهمالا ينتظر عادة ممن كان في مثل ظروفه وبيئته ، او ان يخطئ الطبيب المعالج خطأ يسيرا في علاجه0 ويعد من قبيل العوامل الشاذة غير المألوفة التي تقطع علاقة السببية ان يتعمد المجني عليه عدم معالجة نفسه بقصد تسويء مركز المتهم، وخطأ الطبيب في علاج المجني عليه خطأ جسيما0
ثانيا - بيان السببية في الحكم :
لما كانت محكمة الموضوع ملزمة ببيان الواقعة في الحكم فانه يجب تضمين الحكم توافر علاقة السببية بين فعل الجاني والنتيجة فإذا خلا الحكم من بيان رابطة السببية فانه يكون مشوبا بالقصور في التسبيب متعينا نقضه0 ويعد الدفع بانتقاء علاقة السببية دفعا جوهريا يجب في حالة رفضه ان ترد عليه المحكمة بما يفنده والا كان حكمها قاصرا0 ويقدر قاضي الموضوع من وقائع الدعوى توافر علاقة السببية من عدمه ولا رقابة لمحكمة النقض في ذلك الا من حيث فصله في ان أمرا معينا يصلح قانونا لان يكون سببا لنتيجة معينة او لا يصلح0
ثالثا - معيار السببية في قانون العقوبات الاتحادي :
نص المشرع الاتحادي في المادة 32 عقوبات على تحديد ضابط لعلاقة السببية وقد اخذ بمعيار السبب الملائم0
المطلب الثاني : الجريمة الناقصة (الشروع في الجريمة)
في الجرائم ذات النتائج قد لا يتوصل الجاني الى تحقيق الجريمة كاملة اي إحداث النتيجة المقصودة وذلك بان يوقف نشاطه الإجرامي او يخيب أثره بسبب خارج عن إرادته، وعندئذ لا يكون هذا النشاط الناقص إجراميا الا اذا اتخذ صورة الشروع المعاقب عليه0
أولا : مراحل ارتكاب الجريمة : لا ترتكب الجريمة ذات النتيجة دفعة واحدة وإنما يمر الجاني في سبيل ارتكابها بمراحل متتالية :
مرحلة التفكير في الجريمة والتصميم عليها : تبدأ الجريمة بفكرة تراود الجاني حتى تثبت في ذهنه فيصمم على ارتكابها، ولما كانت هذه المرحلة نفسية محضة ليس لها اي وجود مادي خارجي ملموس ، فانه لا عقاب على ما يأتيه الجاني في هذه المرحلة ، وقد نص قانون العقوبات الاتحادي على عدم العقاب على هذه المرحلة في المادة 34/3 عقوبات0 1-
ويلاحظ ان المشرع اذا قدر ان بعض صور إعلان النية الإجرامية والعزم عليها تنطوي على خطر معين كما هو الحال في الاتفاق الجنائي او التهديد الكتابي او الشفوي بارتكاب جريمة (المواد من 315 الى 353 ع0 إ ) فانه يعاقب عليها بوصفها جريمة قائمة بذاتها0
مرحلة التحضير للجريمة : ان الجاني متى عقد العزم على ارتكاب جريمة معينة فانه لا ينفذها على الفور وإنما يبدأ في إعداد ما يلزم لارتكابها كشراء السلاح او تجهيز المادة السامة او تجهيز الأدوات اللازمة لكسر الخزائن ، ويشمل التحضير التواجد في المكان الذي يمكن معه تنفيذ الجريمة كالسير في الطريق الموصل الى المكان المراد سرقته 0 والقاعدة انه لا عقوبة على هذه الأعمال لتشجيع الفاعل على العدول و عدم التمادي في مشروعه الإجرامي، كما ان الأعمال التحضيرية ذاتها غالبا ما تكون غامضة ولا تكشف عن النية الإجرامية للفاعل فشراء السلاح قد يكون لغرض الدفاع عن النفس او الصيد وليس لغرض الاعتداء0 وقد نص المشرع الاتحادي في (المادة 34) على عدم العقاب على الأعمال التحضيرية0 ومع ذلك فان القانون قد يعاقب على الأعمال التحضيرية باعتبارها جرائم قائمة بذاتها اذا كانت تشكل خطورة تهدد مصلحة المجتمع او كانت تدل على خطورة خاصة لدى مرتكبها مثل تجريم إحراز السلاح بدون ترخيص0 وقد يجعل المشرع الأعمال التحضيرية ظرفا مشددا لبعض الجرائم، فحمل السلاح اذا ضبط مع الجاني أثناء ارتكاب جريمة السرقة فان العقاب يشدد عليه0 وقد يجعل المشرع الأعمال التحضيرية وسيلة اشتراك في الجريمة بطريق المساعدة كمن يسلم سلاحا لاخر لاستخدامه في القتل فيسأل عن جريمة القتل باعتباره شريكا فيها بالمساعدة0
2-
مرحلة البدء في التنفيذ : بعد الانتهاء من الإعداد للجريمة يبدأ الجاني في تنفيذ الركن المادي لها ، وهنا يتدخل المشرع بالعقاب لان البدء في التنفيذ يهدد الحق او المصلحة التي يحميها القانون. وعندما يبدأ الجاني في التنفيذ قد يتمكن من تحقيق النتيجة الإجرامية فتقع الجريمة تامة ، وقد يعجز عن تحقيق النتيجة التي أراد تحقيقها لسبب خارجي لا دخل لإرادته فيه ، وعندئذ نكون بصدد الشروع في الجريمة الذي يعاقب عليه المشرع ، وقد يعدل الجاني باختياره عن المضي في تنفيذ نشاطه الاجرامي0 وهنا يرى المشرع عدم توقيع العقاب تشجيعا للجاني على عدم التمادي في ارتكاب الجريمة الا اذا كان سلوكه يكون جريمة اخرى مستقلة فيعاقب عليها0 3-
مرحلة إتمام الجريمة : تقع الجريمة تامة اذا اكتملت أركانها وعناصرها كما نص عليها القانون وذلك بتمام النشاط الإجرامي ووقوع النتيجة الإجرامية التي ارادها0
4-
ثانيا : أركان الشروع :
عرف الشرع الاتحادي الشروع في المادة (34 ع0 إ) بقوله " الشروع هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جريمة اذا أوقف او خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الجاني فيها " 0 ويتضح من ذلك ان الشروع لا يكون الا بالنسبة للجرائم ذات النتائج كالقتل او السرقة، ولا يتصور وجوده في الجرائم الشكلية او جرائم السلوك حيث يتكون ركنها المادي من مجرد سلوك تتم الجريمة بارتكابه او لا يقع فلا تقوم الجريمة مثل جريمة السب و القذف0 كما ان الشروع يقتصر على الجرائم العمدية التي يسعى فيها الجاني الى تحقيق نتيجة معينة، لان الجاني في الجرائم غير العمدية يريد السلوك ولا يريد النتيجة ولا يسعى اليها ولذلك لا يتصور الشروع فيها0 ومن التعريف الذي أورده المشرع يتضح ان الشروع يقوم على أركان ثلاثة هي :
البدء في تنفيذ فعل0 *
القصد الجنائي0 *
عدم ارتكاب الجريمة لأسباب لا دخل لإرادة الجاني فيها0
*
أولا : البدء في التنفيذ :
معيار البدء في التنفيذ : لم يضع المشرع معيارا للتفرقة بين ما يعد من الأعمال التحضيرية وما يعد من الأعمال التنفيذية رغم أهمية التفرقة بينهما حيث يدخل النوع الأول في نطاق الأعمال المباحة بينما يدخل النوع الثاني في نطاق الأعمال المعاقب عليها0 وتعرض في الواقع حالات واضحة لا يثار بشأنها اي صعوبات فيسهل التمييز بينها، كمن يشتري سلاحا او يعد خنجرا للقتل يعد عملا تحضيريا، أما ضبط الجاني وهو يطلق السلاح الناري على المجني عليه وإصابته في غير مقتل فانه يعد بدء في تنفيذ القتل اي شروعا فيه0 ولكن هناك حالات لا تعرض دائما بهذا الوضوح، وتتأرجح بين العمل التحضيري والبدء في التنفيذ مما استدعى ضرورة البحث عن معيار واضح يميز بينهما ، واختلفت الآراء بشأنه الى مذهبين :
1-
المذهب الموضوعي : يرى أنصار هذا الاتجاه ان الضابط في تحديد العمل التنفيذي من العمل التحضيري هو الفعل المكون للجريمة كما ورد في النموذج القانوني لها، وبناء عليه فان الجاني لا يعد شارعا في جريمة السرقة الا اذا وضع يده على المال المراد سرقته اي بدأ في تنفيذ فعل الاختلاس الذي يقوم به ركنها المادي، أما الأفعال السابقة على ذلك فتدخل في الأعمال التحضيرية التي لا يعاقب عليها بوصف الشروع مثل كسر الخزانة التي تحتوي على الأشياء المسروقة0
أ-
وعلى الرغم من وضوح هذا المعيار وسهولة تطبيقه الا انه عيب عليه انه يضيق من نطاق الشروع في الجريمة مما يؤدي الى إفلات كثير من الجناة من العقاب رغم خطورة ما ارتكبوه من افعال0 وإزاء شعور أنصار هذا المعيار بنقصه حاولوا التوسع فيه وقالوا ان البدء في التنفيذ يتوافر اذا حقق الجاني بسلوكه ما يعتبر ظرفا مشددا للجريمة، وعليه يعتبر شروعا في جريمة السرقة حالة ما اذا ضبط الجاني وهو يتسلق سور المنزل باعتباره ظرفا مشددا لجريمة السرقة0
غير ان الأخذ بهذا الرأي يؤدي الى نتائج غير مقبولة ، حيث توجد بعض الجرائم ليست لها ظروف مشددة كجريمة النصب ، وبعض الظروف المشددة كظرف الليل والخدمة في جريمة السرقة لا يتصور البدء في التنفيذ بالنسبة لها0
ولذلك ذهب أصحاب هذا المذهب الى القول بمعيار ثالث مؤداه ان الفعل يعتبر بدء في التنفيذ اذا كان دالا بذاته على اتجاه إرادة الجاني الى ارتكاب جريمة معينة كتصويب سلاح ناري على شخص0 أما اذا كان الفعل غير قاطع في دلالته على ارتكاب جريمة معينة إذ قد يصح ان يكون مقصودا به تحقيق أغراض أخرى تحمل التأويل فانه يعد عملا تحضيريا لا عقاب عليه ، كما هو الحال بالنسبة لشراء سلاح او حمله0
ولقد اخذ على هذا الرأي انه من النادر ان يكون للفعل دلالة واحدة مما يؤدي الى إفلات الكثير من الأفعال الخطرة من العقاب على أساس أنها لا تمثل شروعا، فدخول منزل الغير بقصد السرقة لا يعد شروعا في هذه الجريمة لان واقعة الدخول في منزل الغير تحتمل التأويل 0
المذهب الشخصي : لا يعتمد أنصار هذا الاتجاه على ماديات الفعل الإجرامي للتفرقة بين البدء في التنفيذ والعمل التحضيري، وإنما ينظر الى الأفعال التي يأتيها الجاني والتي تكشف على خطورة الجاني وعزمه الأكيد على بلوغ النتيجة الإجرامية 0 وقد اختلف أنصار المذهب الشخصي في صيغة هذا الضابط0 ولعل افضل الصيغ هو الذي قال به الفقيه الفرنسي "جارو" والذي يرى ان الجاني يعتبر قد بدأ في التنفيذ اذا ارتكب سلوكا يؤدي حالا ومباشرة الى الركن المادي للجريمة كما وصفه نموذجها في القانون ، ولو لم يكن السلوك قد حقق بالفعل بداية هذا الركن المادي، ولذلك لا يلزم لقيام الشروع في السرقة ان يضع الجاني يده بالفعل على المال المراد سرقته بل يكفي ان يكون قد أتى فعلا يكون من شأنه ان يؤدي الى ذلك حالا ومباشرة0
ب-
وقد اخذ على هذا الرأي ان اشتراطه ان يكون الفعل مؤديا حالا الى الركن المادي للجريمة قد يؤدي الى إفلات عدد من صور السلوك الخطرة والتي لا تتحقق النتيجة فيها الا بعد فترة طويلة نسبيا ، كمن يحفر نفقا تحت خزائن بنك لسرقتها، لذلك استبعد لفظ حالا من معيار البدء في التنفيذ ويكتفي في تعريف الشروع بأنه " الفعل المؤدي مباشرة الى ارتكاب الجريمة"0
مذهب قانون العقوبات الاتحادي : تبنى المشرع الاتحادي معيارا مختلطا يجمع بين المذهبين المادي والشخصي ويستفاد ذلك من نص المادة (34 ع0 إ) التي نصت على انه " ويعد بدء في التنفيذ ارتكاب فعل يعتبر في ذاته جزء من الأجزاء المكونة للركن المادي للجريمة او يؤدي اليه حالا ومباشرة". ج-
ثانيا : القصد الجنائي في الشروع : ان الركن المعنوي في الشروع يتمثل في قصد ارتكاب الجريمة في صورة تامة الا ان نتيجتها لا تتحقق بسبب خارج عن إرادة الفاعل حال في اللحظة الأخيرة دون وقوعها0 ولذلك فان القصد الجنائي يتوافر في الشروع على نفس النحو الذي يتوافر فيه في الجريمة التامة فيتمثل في انصراف إرادة الجاني الى ارتكاب النشاط الإجرامي والى تحقيق النتيجة الإجرامية مع العلم بعناصر الجريمة القانونية.
وبناء على ذلك فان الشروع يتوافر في الجرائم العمدية ولا يتصور أبدا في الجرائم غير العمدية كالقتل الخطأ لان إرادة الجاني فيها تتجه الى السلوك الإجرامي دون إرادة تحقيق النتيجة التي تقع بسبب ما يشوب السلوك من إهمال او عدم حيطة0 وكذلك لا شروع في الجرائم المتعدية القصد كما هو الشأن في جريمة الضرب المفضي الى عاهة مستديمة فالجاني لما باشر الضرب لم يقصد إحداث العاهة المستديمة والا اعتبرت العاهة عمدية ومن ثم فانه لا يتصور الشروع بالنسبة لنتيجة لم يقصدها الجاني0
ثالثا : عدم تمام الجريمة لسبب غير إرادي :
أولا : صور الشروع :
الجريمة الموقوفة : هي الصورة التي يبدأ الجاني فيها نشاطه الإجرامي الا ان هذا النشاط يوقف و لا يكتمل بسبب لا دخل لإرادة الفاعل فيه ، ومن ثم لا تحدث النتيجة التي كان يسعى الى تحقيقها ، مثال ذلك من يصوب سلاحه نحو المجني عليه بقصد قتله فيتدخل شخص ثالث ويمسك السلاح ويطلق على هذه الحالة الجريمة الموقوفة0
1-
الجريمة الخائبة : يستنفذ الجاني في هذه الصورة كل نشاطه الإجرامي في سبيل ارتكاب الجريمة وتحقيق النتيجة ولكن رغم ذلك لا تتحقق هذه النتيجة لسبب لا دخل لإرادة الجاني فيه ، مثال ذلك من يطلق عيارا ناريا على شخص بقصد قتله ولكنه يخطئه او يصيبه في غير مقتل ويشفى بعد علاجه0 ولأن اثر الجريمة خاب رغما عن الجاني تسمى هذه الصورة بالجريمة الخائبة0 2-
الجريمة المستحيلة : هي الجريمة التي يستنفذ فيها الجاني كل نشاطه الإجرامي ومع ذلك لا تحقق النتيجة لاستحالة وقوعها أصلا 0 فالجريمة المستحيلة تشبه الجريمة الخائبة من حيث ان الجاني استنفذ كل نشاطه الإجرامي لتحقيق النتيجة الإجرامية ، ولكنها تختلف عن الجريمة الخائبة ، فهذه الأخيرة ممكنة الوقوع وكان من الممكن ان تتحقق نتيجتها لولا تدخل أسباب طارئة ، فلو نفذت الجريمة بمعرفة شخص اخر اكثر دراية لتحققت النتيجة0 أما الجريمة المستحيلة فهي جريمة غير ممكنة الوقوع أصلا لاستحالة تحقق النتيجة وقت مباشرة الجاني نشاطه، كمن يطلق الرصاص على شخص بقصد قتله فإذا به ميت قبل ذلك. 3-
وقد ترجع الاستحالة الى وسيلة تنفيذ الجريمة كاستخدام مادة غير سامة في القتل، وقد تتعلق بمحل الجريمة كما لو كان المجني عليه مات قبل إطلاق النار عليه 0
وقد اختلف الفقه بشأن الجريمة المستحيلة وهل تعتبر نوعا من الجريمة الخائبة او أنها تنفرد بحكم خاص؟
*
عدم العقاب على الجريمة المستحيلة : ذهب البعض الى عدم العقاب على الجريمة المستحيلة سواء أكانت الاستحالة تتعلق بالوسيلة المستعملة ام بموضوع الجريمة، لان القانون يتطلب للعقاب على الشروع البدء في تنفيذ الفعل ، فإذا كانت الجريمة مستحيلة كان البدء في تنفيذها مستحيلا، وبذلك يتعذر قيام الركن المادي للجريمة فتنتفي الجريمة وينتفي الشروع فيها0 1-
وقد انتقد هذا الرأي على أساس انه يؤدي الى تهديد مصلحة المجتمع بعدم العقاب على أفعال رغم دلالتها على خطورة الجناة0
التفرقة بين الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية : تكون الاستحالة مطلقة اذا كانت ترجع الى أسباب يستحيل معها ان تقع الجريمة مطلقا، إما بسبب انعدام موضوع الجريمة كمن يطلق النار على شخص فارق الحياة قبل ذلك، او بسبب عدم صلاحية الوسيلة المستخدمة لإحداث النتيجة كمن يحاول قتل شخص بمادة غير سامة0 2-
أما الاستحالة النسبية فهي الاستحالة التي لا يمكن معها للجريمة ان تقع في الظروف التي ارتكبت فيها وان كانت في الأصل ممكنة الوقوع لوجود موضوعها وصلاحية الوسيلة المستخدمة في التنفيذ0 وقد تتعلق الاستحالة النسبية بالوسيلة كمن يضع في طعام المجني عليه كمية من السم لا تكفي لإحداث الوفاة0 وقد تتعلق بموضوع الجريمة كمن يطلق النار على شخص في مكان اعتاد على التواجد به ولكنه تصادف عدم وجوده به لحظة إطلاق النار0 وتأخذ الاستحالة النسبية حكم الشروع المعاقب عليه0
وقد اخذ على هذا الرأي انه يقيم تفرقة تحكمية للاستحالة ، فالجريمة إما ان تكون ممكنة او مستحيلة ولا وسط بينهما0
الاستحالة المادية والاستحالة القانونية : تكون الاستحالة قانونية اذا انعدم في الجريمة أحد أركانها التي نص عليها القانون كركن الحياة في جريمة القتل ، فمن يطلق مقذوفا على شخص ميت لا يعد قاتلا، ففي هذه الحالة لا يوقع العقاب على ما أتاه الشخص من نشاط لعدم إمكان قيام الجريمة0 3-
وتكون الاستحالة مادية اذا كان تحقق النتيجة ممكنا من الناحية القانونية لتوافر العناصر المكونة للجريمة، ولكن عدم تحققها يرجع الى ظروف مادية لا دخل لإرادة الجاني فيها، مثال ذلك من يطلق عيارا ناريا على المكان الذي تعود المجني عليه ان ينام فيه بقصد قتله ولكن تصادف عدم وجوده به في ذلك الوقت، وفي هذه الحالة يعاقب الجاني باعتباره شارعا في الجريمة0
وقد اخذ على هذا الرأي انه ينتهي الى ذات النتائج التي توصل اليها الاتجاه السابق الذي يفرق بين الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية0
العقاب على الجريمة المستحيلة بكافة صورها : ذهب البعض الى وجوب العقاب على الجريمة المستحيلة أيا كانت صورتها سواء كانت مطلقة او نسبية او قانونية او مادية0 فتوافر الشروع لا يتوقف على البدء في تنفيذ عمل يدخل في تكوين الركن المادي للجريمة وإنما يكفي ان يأتي الفاعل أعمالا تقطع بنيته الإجرامية لارتكاب الجريمة، وعلى ذلك يعاقب الجاني بوصفه شارعا في الجريمة متى تعمد ارتكابها واتخذ لتحقيقها وسيلة صالحة في نظره الا اذا كانت الوسيلة التي استخدمها تدل على سذاجته كما لو لجأ الى السحر لقتل شخص معين0 4-
وقد انتقد هذا الاتجاه على أساس انه يوسع من نطاق العقاب حيث يكتفي بالنية الإجرامية لاستحقاق العقاب الأمر الذي قد يؤدي الى العقاب على الجريمة المستحيلة في صورة الجريمة الظنية او الوهمية التي ليس لها وجود قانوني في الواقع0
موقف قانون العقوبات الاتحادي :
لم يتعرض قانون العقوبات الاتحادي ولا القانون المصري لمشكلة الجريمة المستحيلة0
ثانيا : العدول الاختياري :
مفهوم العدول : الشروع هو ان يكون التنفيذ قد أوقف او خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الجاني فيها وهذا يعني بمفهوم المخالفة انه حيث تتدخل إرادة الجاني لوقف التنفيذ او عدم تحقق النتيجة لا يقوم الشروع قانونا، ويحدث ذلك حين يتوقف الجاني بمحض إرادته عن المضي في تنفيذ جريمته حتى يبلغ هدفه على الرغم من استطاعته ذلك0 والحكمة من عدم العقاب على هذه الصورة هو تشجيع الفاعل على عدم المضي في تنفيذ جريمته لانه لو علم ان العقاب سيحل به عدل او لم يعدل عنها لفضل انهاءها0 1-
شروط العدول الاختياري : 2-
ان يكون الجاني قد بدأ فعلا في تنفيذ جريمته اي بلغ مرحلة الشروع وقبل إتمامها، فلا مجال للبحث في وجود العدول الاختياري من عدمه بالنسبة للأعمال التحضيرية0
أ-
يجب ان يكون العدول الاختياري تلقائيا نابعا من ذات الجاني لا من أسباب خارجة عن إرادته، ومثال ذلك ان يتأهب الجاني لإطلاق عيار ناري على المجني عليه بعد ان صوب سلاحه اليه ثم يعدل عن إطلاق الرصاص بدافع الندم او خشية من العقاب0 فيجب إذن الا يكون الجاني مضطرا للعدول إذ في هذه الحالة ينتفي دور الإرادة في عدوله0
ب-
ويترتب على العدول الاختياري عدم معاقبة الجاني عن الشروع في الجريمة التي بدأ في تنفيذها بقصد ارتكابها، ولكن ليس هناك ما يمنع من معاقبته اذا كانت الأعمال التنفيذية التي قام بها تكون عناصر جريمة اخرى نص عليها القانون بصفة مستقلة0
العدول الاضطراري : يرجع الى عوامل خارجية مستقلة عن إرادة الجاني أجبرته على إيقاف تنفيذ جريمته، كمن يحاول سرقة محتويات منزل غير انه يتعرض لمقاومة المجني عليه فيعجز عن التغلب عليه، او ان يشهر الجاني خنجره ليطعن به المجني عليه الا ان أحدا يقبض على ذراعه، في هذه الحالة ليس لهذا العدول أي اثر ويظل الشروع معاقبا 0 3-
ثالثا - العقاب على الشروع في قانون العقوبات الاتحادي :
تقتصر أحكام الشروع على الجنايات والجنح ولا شروع في المخالفات0
مقدار العقاب على الشروع في الجنايات : نصت المادة 35 من قانون العقوبات على انه " يعاقب على الشروع في ارتكاب الجناية بالعقوبة التالية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك : 1-
السجن المؤبد اذا كانت العقوبة المقررة للجريمة الاعدام0 أ-
السجن المؤقت اذا كانت العقوبة المقررة للجريمة السجن المؤبد0 ب-
السجن مدة لا تزيد على نصف الحد الاقصى المقرر للجريمة او الحبس اذا كانت العقوبة السجن المؤقت0 ج-
ويلاحظ ان التخفيف الذي أورده المشرع في نص المادة (35 ع0 إ) قد ورد في شأن العقوبات الاصلية وهذا يعني ان العقوبات الفرعية والتدابير الجنائية توقع دون تعديل0
مقدار العقاب على الشروع في الجنح : تنص (المادة 36 ع0 إ) على انه لا عقاب على الشروع في الجنح الا اذا نص القانون على خلاف ذلك 0 وتعدد النصوص التي تقضي بالعقاب على الشروع في الجنح مقدار عقوبة هذا الشروع .
2-
المبحث الثاني : الركن المعنوي :
لا يكفي لقيام الجريمة واستحقاق العقاب عنها مجرد تحقق الركن المادي وإنما يلزم فضلا عن ذلك ان يتوافر الركن المعنوي0 وقد يتخذ الركن المعنوي في الجريمة صورة القصد الجنائي فتكون الجريمة عمدية وقد يتخذ صورة الخطأ فتكون الجريمة غير عمدية.
المطلب الأول : القصد الجنائي :
أولا - ماهية القصد الجنائي : نص المشرع الاتحادي على القصد الجنائي في المادة38 /1 ع0 إ ويتضح منها ان القصد الجنائي او العمد هو اتجاه إرادة الجاني نحو ارتكاب الجريمة مع العلم بأركانها وعناصرها كما يتطلبها القانون، فالقصد الجنائي يقوم على عنصرين الإرادة والعلم0
الإرادة : تتمثل الإرادة في نشاط نفسي يتجه الى تحقيق غرض معين عن طريق وسيلة معينة ، وهي عنصر لازم في جميع صور الركن المعنوي سواء اتخذ صورة العمد او الخطأ غير العمدي، ففي العمد تتجه الإرادة الى الفعل والنتيجة أما في حالة الخطأ غير العمدي فإنها تنصرف الى الفعل دون النتيجة، فإذا أطلق شخص عيارا ناريا على شخص معين بقصد قتله يسأل عن جريمة قتل عمدية ، أما اذا أطلق العيار الناري ابتهاجا فأصاب شخصا فقتله فانه يسأل عن قتل غير عمدي لانه لم يرد تحقيق النتيجة0
1-
حكم الباعث على الجريمة : هو القوة المحركة للإرادة او العلة النفسية التي تدفع الجاني الى ارتكاب الجريمة مثل الانتقام ، الغيرة ، الاستفزاز ، البغضاء 0 والباعث على الجريمة ليس ركنا من أركانها او عنصرا فيها ومن ثم فلا اثر له في وجود الجريمة او انعدامها، وهذا ما قضت به المادة (40 ع0 إ)0 *
ولكن قد يكون للباعث أثره في تقدير العقوبة التي يحكم بها القاضي وفقا لسلطته التقديرية، فإذا كان الباعث الذي حمل الجاني على ارتكاب الجريمة شريفا فانه يخفف العقوبة كما لو قتل شخص زوجته ليخلصها من آلام المرض، أما اذا وجد ان الباعث كان خبيثا فانه يشدد العقوبة0 وقد يعتد المشرع بالباعث من ذلك جعله ارتكاب الجريمة لبواعث غير شريرة او لاستفزاز خطير صادر من المجني عليه عذرا مخففا (المادة 96 ع0 إ)0
العلم : يجب لتوافر القصد ان يعلم الجاني بعناصر الجريمة من حيث الواقع والقانون0 2-
أولا - العلم بالوقائع : سوف نتناول بالدراسة الوقائع التي يلزم إحاطة علم الجاني بها والوقائع التي لا يلزم إحاطة علمه بها ثم موضوع الجهل والغلط بالوقائع0
1- الوقائع التي يلزم إحاطة علم الجاني بها :
*العلم بكافة عناصر الركن المادي : لكل جريمة ركنها المادي الخاص بها فيلزم ان يتوافر علم الجاني بكافة عناصره على النحو التالي :
أ- العلم بالواقعة المكونة لنشاطه الإجرامي : يجب ان يعلم الجاني ان فعله يكون عدوانا على الحق الذي يحميه القانون، ففي جريمة القتل يلزم ان يعلم الجاني ان يوجه فعله ضد إنسان حي بغية إزهاق روحه فإذا انتفى هذا العلم انتفى القصد الجنائي0 فإذا استلزم المشرع لقيام بعض الجرائم ثبوت ارتكاب الفعل في مكان معين او في زمن معين او بوسيلة معينة فيجب ان ينصرف علم الجاني الى ذلك حتى يتوافر القصد لديه ، فجريمة زنا الزوج لا تقوم الا اذا ارتكبت في منزل الزوجية (م 334/2 ع0 إ) فيلزم ان يعلم الزوج وشريكته في الزنا بأن المكان الذي يرتكب فيه الزنا هو بيت الزوجية0 وكذلك اذا تطلب المشرع لارتكاب جريمة معينة ان تكون الوسيلة المستخدمة عنصرا فيها وجب ان يحيط الجاني علمه بها كعلمه بالطرق الاحتيالية التي تقوم بها جريمة النصب (م 330 ع0 إ) 0
ب- توقع النتيجة : يجب ان يعلم الجاني بان النتيجة الإجرامية سوف تترتب كأثر مباشر لفعله، فيتعين ان يتوقع النتيجة الإجرامية بعناصرها التي يحددها القانون ففي جريمة القتل على الجاني ان يتوقع حدوث الوفاة من جراء فعل الاعتداء الذي أتاه، فإذا لم يتوقع النتيجة انتفى القصد الجنائي لديه0
ج- توقع علاقة السببية : يجب على الجاني ان يتوقع كيفية حدوث النتيجة الإجرامية كأثر للفعل0
*- الظروف المشددة التي تغير من وصف الجريمة : تأخذ هذه الظروف حكم الأركان فيلزم لمحاسبة الجاني عنها ان يكون عالما بها، ذلك ان الظرف الذي يغير من وصف الجريمة ينشئ في الحقيقة جريمة جديدة، فظرف حمل السلاح في جريمة السرقة ظرف مشدد يقلب الجريمة من جنحة الى جناية لذلك يجب ان ينصرف علم الجاني اليه وهذا ما قضت به المادة (41 ع0 إ)0
* العنصر المفترض : اذا نص القانون على عنصر مفترض للجريمة فيجب ان يعلم الجاني به، فإذا كان يجهل وجوده انتفى القصد لديه، ولذلك ينتفي القصد الجنائي في جريمة القتل العمد اذا كان الجاني يجهل ان فعله يرد على إنسان حي (م 332 ع0 إ)0
2 - الوقائع التي لا يلزم إحاطة علم الجاني بها :
* عناصر الأهلية الجنائية : تقوم الأهلية الجنائية على عنصري الإدراك والتمييز وتنتفي بما ينفي الإدراك كالجنون او ينفي التمييز كحالة الصبي غير المميز 0 وان انتفاء العلم بعناصر الأهلية الجنائية لا يحول دون قيام القصد ، فمن يعتقد وقت ارتكاب الفعل انه مصاب بعاهة في عقله اي فاقد الإدراك ، ثم يثبت للقاضي انه كان في ذلك الوقت مكتمل القوى العقلية فان القصد الجنائي يعد متوافرا لديه0
* الظروف المشددة التي لا تغير من وصف الجريمة : لا يتطلب القانون العلم بهذا النوع من الظروف لأنها ليست من أركان الجريمة، فمن يجهل ظرف سبق الإصرار في القتل لدية تشدد عقوبته0
* النتائج المتجاوزة قصد الجاني : قد يقصد الجاني نتيجة إجرامية معينة حين مباشرته نشاطه الإجرامي فتقع نتيجة اخرى اشد جسامة من تلك التي قصدها 0 فإذا كان القانون يتطلب ان يتوقع الجاني النتيجة الأقل جسامة اي القريبة ويحيط علمه بها فانه لم يتطلب ان يعلم بالنتيجة الجسيمة، وعليه فمن يرتكب جريمة ضرب يسأل عن الوفاة التي يفضي اليها فعله وان لم يتوقع ذلك0
3 - الجهل بالوقائع او الغلط فيها :
الجهل بالواقعة يعني انتفاء العلم بها مطلقا أما الغلط فيها فيعني العلم بالواقعة على نحو مغاير لحقيقتها0 ويشترك الجهل والغلط في ان كليهما ينتفي فيه العلم بحقيقة الواقعة الإجرامية وقد استقر الفقه على استخدام لفظ الغلط للدلالة على كل الحالات التي ينتفي فيها العلم بالحقيقة0
فإذا انصب الغلط على عنصر أساسي لازم لقيام الجريمة اي حالة الغلط الجوهري فانه ينفي القصد الجنائي ولكنه قد تقوم مسئولية الجاني عن الجريمة في صورتها غير العمدية.
أ- الغلط في ركن من أركان الجريمة : اذا ورد الغلط على ركن من أركان الجريمة فانه يؤدي الى انتفاء القصد الجنائي ، ففي جريمة القتل مثلا اذا خرج صياد للصيد فسمع حركة بين الأشجار فأطلق الرصاص معتقدا انه حيوان فإذا به يقتل إنسانا فانه لا يسأل عن قتل عمدي لانتفاء القصد لديه لان غلطه انصب على نتيجة الجريمة0 الا ان الجاني قد يظل مسئولا عن فعله على أساس الخطأ غير العمدي0
ب- الغلط في ظرف من الظروف المشددة : قد يلحق بالجريمة ظرف من الظروف المشددة للعقوبة مثل ظرف الخادم في السرقة (المادة 388/3 ع إ) كما لو سرق خادم منقولات مملوكة لمخدومه معتقدا أنها مملوكة لغيره، اي يجهل الظرف المشدد للسرقة، فان القصد ينتفي بالنسبة للظرف المشدد0 أما الظروف المشددة العينية مثل الكسر في السرقة فقد قرر المشرع أنها تنطبق على جميع الجناة علموا بها ام جهلوها0
ج- الغلط في المجني عليه : لا ينتفي القصد الجنائي بوقوع الجاني في غلط ينصب على الشخص او الشخصية كمن يطلق النار على بكر وإذا هو في الحقيقة زيد لان الغلط ورد على صفة ثانوية في محل الجريمة فيسأل الجاني عن قتل عمدي لان القانون يحمي الحق في الحياة دون الاعتداد بصفات او ذات المجني عليه فيسأل الجاني عن قتل عمدي0
د- الحيدة عن الهدف : اذا اخطأ الجاني في توجيه فعله كمن يطلق النار على شخص فيخطئه وتصيب الرصاصة شخصا بجواره فيقتله ، يسأل الجاني عن جريمتين ، جريمة قتل عمد بالنسبة لمن ازهق روحه وشروع في قتل لمن أراد قتله فأخطأه0
ثانيا - العلم بالقانون :
1 - افتراض العلم بالقانون : العلم بالقانون الجنائي والقوانين العقابية المكملة له مفترض في حق كل إنسان فلا يقبل من أحد الاعتذار بجهله للقانون او الغلط فيه0 وقد نصت على هذه القاعدة المادة 42 ع0 إ 0 وعلى الرغم من انه واقعيا لا يعقل ان يحيط كل شخص بكل القوانين او ان يفهمها على الوجه الصحيح، الا ان هذا الافتراض تمليه المصلحة العامة حتى لا يحتج الأفراد بالجهل بالقانون الجنائي او الغلط في نصوصه مما يعطل أحكامه، ويفوت الأغراض الأساسية التي تهدف اليها الدولة من حقها في العقاب0
2- الجهل او الغلط في قانون غير قانون العقوبات : قصر المشرع في المادة 42 ع0 إ افتراض العلم بالقانون على القوانين الجنائية فقط، وهذا يعني انه يجوز للجاني ان يحتج بجهله احكام قوانين غير جنائية مثل القانون المدني والتجاري والإداري و الأحوال الشخصية، مثال ذلك ان يتعلق الجهل او الغلط بقاعدة من قواعد القانون المدني ، كمن يستأجر منزلا ويعثر على كنز مخبئ به فيستولي عليه معتقدا بأنه ملكه، جاهلا حكم القانون المدني الذي يقرر ان هذا الكنز يكون لمالك العقار الذي اكتشف فيه، في هذه الحالة ينتفي القصد الجنائي 0
ثانيا - وقت تحقق القصد الجنائي :
يجب ان يكون القصد الجنائي معاصرا للركن المادي للجريمة، اي معاصرا لارتكاب السلوك الإجرامي وتحقيق النتيجة الإجرامية 0 ولا صعوبة اذا توافر القصد في المرحلتين 0 فإذا توافر القصد وقت ارتكاب السلوك الإجرامي ثم انتفى وقت تحقق النتيجة فان الجاني يكون مسئولا عنها مسئولية عمدية، كمن يطلق النار على شخص بقصد قتله ثم يندم على فعله ويسارع الى إسعافه ولكنه يموت، فالجاني مسئول عن قتل عمدي بسيط0 أما اذا لم يتوافر القصد وقت مباشرة السلوك الإجرامي ولكنه توافر قبل تحقق النتيجة او وقت تحققها فلا اعتداد به ، كما لو أطلق شخص عيارا ناريا ابتهاجا فإذا به يصيب أحد الأشخاص فتمنى الجاني موته، فلا يسأل عن قتل عمدي بل يسأل عن جريمة قتل غير عمدية0
ثالثا - صور القصد الجنائي :
- 1 القصد العام والقصد الخاص :
القصد العام هو توجيه الإرادة نحو ارتكاب جريمة مع العلم بعناصرها القانونية، فهو يقوم على عنصري الإرادة والعلم ويستلزم القانون وجوده في جميع الجرائم العمدية، وقد يكتفي به في اغلب الجرائم0
وقد يتطلب المشرع أحيانا لقيام بعض الجرائم ان يكون ارتكابها لغاية معينة او ان يكون الدافع اليها باعث خاص، فيتخذ الركن المعنوي صورة القصد الخاص الذي يتكون من علم وإرادة منصرفين الى ارتكاب الجريمة ثم يضاف إليهما الغاية او الباعث0 ومن أمثلة الجرائم العمدية التي يتطلب فيها القانون قصدا خاصا جريمة التزوير حيث يتطلب القانون فيها بالإضافة الى تعمد تغيير الحقيقة ان تنصرف نية الجاني الى استعمال المحرر المزور (م 216/1 ع0 إ)0
ويلاحظ ان القصد الخاص يؤدي في الجريمة أحد دورين :
* قد يترتب على تخلفه عدم توافر الصفة الجنائية في الفعل مثل جريمة التزوير0
* وقد ينبني على عدم توافر القصد الخاص وقوع الفعل تحت نص جنائي اخر، فجريمة التعذيب لحمل المتهم على الاعتراف (المادة 242 ع0 إ) يشترط لانطباق حكم هذه المادة ان يقع التعذيب على المتهم بقصد حمله على الاعتراف، فإذا وقع التعدي من الموظف على المتهم ليس بقصد حمله على الاعتراف فإننا نكون بصدد جريمة استعمال قسوة (المادة 245 ع0إ)0
2- القصد المحدد والقصد غير المحدد :
يكون القصد الجنائي محددا اذا اتجهت إرادة الجاني الى تحقيق النتيجة الإجرامية في موضوع معين بالذات، كأن تتجه إرادة الجاني الى إزهاق روح شخص معين او عدة أشخاص معينين0 أما القصد غير المحدد فهو الذي تتجه فيه إرادة الجاني الى تحقيق النتيجة الإجرامية دون تحديد لموضوعها كأن تتجه إرادة الجاني الى إزهاق الروح دون تعيين للشخص او الأشخاص الذين يحتمل ان يكونوا ضحايا لفعله0
والمسلم به ان المشرع يسوي بين القصد المحدد والقصد غير المحدد إذ تتوافر بهما عناصر القصد الجنائي في جريمة القتل العمد لانه لا عبرة بشخص المجني عليه0
-3 القصد المباشر والقصد الاحتمالي :
أ - القصد المباشر هو الذي تتجه فيه إرادة الجاني الى تحقيق نتيجة إجرامية يرغب في إحداثها0 فقد يتوقع الجاني حدوث الوفاة كنتيجة حتمية وضرورية لفعله فيقدم رغم ذلك على ارتكاب فعل الاعتداء 0 ولما كانت النتيجة الإجرامية تترتب حتما على الفعل وتنجم عنه مباشرة فيمكن القول ان من أراد الفعل فقد أراد أيضا النتيجة، كمن يطلق الرصاص على شخص في مقتل فيقتله يسأل عن جريمة قتل عمدي0
ب - أما القصد الاحتمالي فهو الذي تتجه فيه إرادة الجاني الى الفعل مع توقع النتيجة كأثر ممكن لفعله يحتمل في تقديره ان تحدث او لا تحدث، ولكنه يقبل احتمال تحققها في سبيل تحقيق النتيجة التي يستهدفها بفعله ، مثال ذلك ان يقصد الجاني قتل " عمرو" فيضع له سما في طعامه ولكنه يتوقع ان يتناول معه "بكر" فيتوقع وفاته ثم يمضي في فعله راضيا بهذا الاحتمال ويحدث ان يأكل "بكر" مع "عمرو" فيموت فيسأل عن النتائج المترتبة على فعله مسئولية عمدية0
ويتميز القصد الاحتمالي عن الخطأ غير العمدي في ان الجاني في جريمة الخطأ غير العمدي كان باستطاعته توقع النتيجة او من واجبه توقعها وإذا توقعها فانه لا يرغب في حدوثها ويأمل في تجنبها0
رابعا - إثبات القصد الجنائي :
يجب على المحكمة التثبت من توافر القصد الجنائي، وإقامة الدليل على تحققه حتى تحكم بالإدانة 0 والقصد باعتباره حقيقة نفسية لا تستطيع المحكمة إثباته الا بطريق الاستدلال من المظاهر والأمارات الخارجية التي تحيط بفعل الجاني، وتنم عما يجول في نفسه وهو بذلك مسألة موضوعية يفصل فيها قاضي الموضوع، ويتعين ان يكون استخلاص ثبوت القصد الجنائي او انتفائه سائغا بأن تكون الأسباب التي تستند اليها المحكمة للقول بتوافر القصد تؤدي فعلا الى ثبوته0
المطلب الثاني - الخطأ غير العمدي :
أولا : ماهية الخطأ غير العمدي : لم يعرف المشرع الاتحادي الخطأ وإنما اكتفى بذكر بعض صوره في بيانه للجرائم غير العمدية من ذلك جرائم القتل والإصابة الخ