التعريف بمبدأ المعاملة بالمثل أو التبادل :
وهو ما يعرف بشرط المعاملة بالمثل أو التبادل ([1]) ، ومقتضى هذا المبدأ أن المحاكم الوطنية لدولة ما ، لا تقبل الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي إلا إذا كانت المحاكم الأجنبية التي أصدرت هذا الحكم تقبل تنفيذ الأحكام الصادرة من قبل محاكم هذه الدولة بنفس القدر وفى نفس الحدود ([2]) .
وهذا يعني أن مبدأ المعاملة بالمثل ما هو إلا خطة تتبعها محاكم الدول إزاء بعضها البعض ، بمناسبة تنفيذ أحكام كل منها في بلاد الأخرى ، ويجب أن نلاحظ أن مبدأ المعاملة بالمثل يجب أن يطبق في أضيق معانية ، فيجب النظر إلى معاملة المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم المراد تنفيذه في دولة ما ، لحكم هذه الدولة الصادر في نفس الظروف إذا ما أريد تنفيذه في تلك الدولة الأجنبية ، فإذا كانت تلك الدولة الأجنبية لا تحترمه في ظل تلك الظروف وجب على محكمة الدولة المطلوب إليها إصدار الأمر بتنفيذه ، ألا تحترم ذلك الحكم الأجنبي المراد تنفيذه ولا أهمية لكونها قد تحترم أحكاماً أخرى في ظروف أخرى ([3]) ،([4]) .
ومثال ذلك المحاكم الإنجليزية فهي لا تراجع موضوع الأحكام الأجنبية كقاعدة عامة وإنما تراجعها ، إذا ادعى المحكوم عليه أن الحكم تم الحصول عليه بناء على غش المدعي أو المحكمة التي أصدرته ، لذلك يجب على المحكمة المطلوب منها إصدار الأمر بتنفيذ حكم أجنبي إنجليزي ، أن تراجعه إذا ادعى المحكوم عليه أمامها بحصول غش ، كذلك المحاكم الإيطالية فهي تعمل على مراجعة الأحكام الأجنبية المطلوب تنفيذها في إيطاليا ، والصادرة في غيبة المدعى عليه إذا طلب ذلك المدعى عليه ، لذلك يجب على محاكم الدول التي يقدم إليها أحكاماً إيطالية لتنفيذها ، أن تراجعها إذا طلب المدعى عليه ذلك ، وأبدى أسباباً وجيهة تجعل من نقض الحكم الغيابي أمراً محتملاً ([5]) .
كذلك محاكم الدول الاسكندنافية ([6]) ، فإنها تشترط رفع دعوى جديدة لتقرير الحق المحكوم به من القضاء الأجنبي ، حيث يقدم الحكم الأجنبي كدليل قابل لإثبات العكس ، لذلك يتعين على محاكم الدول الأخرى ، إذا طلب منها تنفيذ حكم صادر من إحدى محاكم هذه الدول أن ترفض التنفيذ ، ويكون للمحكوم له أن يرفع دعوى جديدة أمام القضاء للمطالبة بحقه ، وإن كان بعضها نص على إجازة عقد معاهدة دولية يتفق فيها على تنفيذ الحكم الأجنبي ([7]) .
ومما سبق يتضح لنا أن تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل على النحو المتقدم ، لا يكون على درجة واحدة ، لأن الأحكام الأجنبية المراد تنفيذها لا تعامل على درجة واحدة ، فتختلف باختلاف البلاد التي صدرت فيها ، وما تلقاه أحكام محاكم هذه البلاد من معاملة إذا ما أريد تنفيذها في بلاد أخرى .
وقد اختلفت الدول من حيث تقريرها لكيفية التحقق من وجود التبادل ، فمنها من يشترط أن يكون التبادل دبلوماسـياً ، ومنها من يشترط أن يكون التبادل تشريعياً ، ومنها من يشترط أن يكـون التبادل واقعياً .
والتبادل الدبلوماسي : هو التبادل المنصوص عليه في معاهدة معقودة بين دولتين أو أكثر ، بمعنى أنه إذا وجد نص في المعاهدة يقضي بضرورة تنفيذ محاكم كل دولة للأحكام الصادرة من محاكم الدول الأخرى ، فإنه يتعين على القاضي الوطني في هذه الحالة أن ينفذ الحكم الأجنبي .
والتبادل التشريعي : هو التبادل المنصوص عليه في قانون الدول ، بمعنى أنه لا تقوم محاكم الدول بتنفيذ الأحكام الأجنبية ، إلا إذا كان قانون هذه الدول يتضمن نصاً يسمح بتنفيذ تلك الأحكام الأجنبية ([8]) .
أما التبادل الواقعي : فهو التبادل الذي يقوم على ما يجري عليه العمل فعلاً في الواقع أمام القضاء الأجنبي ، أي عدم قبول تنفيذ الأحكام الأجنبية في دولة ما إلا إذا كانت تلك الدولة الأجنبية المراد تنفيذ حكمها ، تسمح بتنفيذ الحكم الصادر عن محاكم الدولة الأولى المطلوب إليها إصدار الأمر بالتنفيذ ، فلا ينظر إلى وجود معاهدة أو نص قانوني لإثبات توافر التبادل ، بل ينظر إلى ما يجري عليه العمل في الواقع ([9]) .
ويرى البعض أن التبادل التشريعي أكثر ضماناً وأوضح معالماً من التبادل الواقعي ([10]) بينما يرى البعض الآخر أن التبادل التشريعي لا يكفي وحده لقيام التبادل ، لأنه قد يحدث أن تكون نصوص القانون الخاص بتنفيذ الأحكام الأجنبية معطلة عن التطبيق في البلد الأجنبي بعكس التبادل الواقعي فهو يكفي وحدة لقيام التبادل ، ولو لم يكن قانون البلد الأجنبي يكفل من خلال نصوصه تنفيذ الأحكام الأجنبية ([11]) .
ويجب أن نلاحظ أن العبرة في تقدير قيام التبادل لا يرجع إلى الدولة التابع لها الخصوم بل يرجع إلى الدولة التي صدر عنها الحكم المراد تنفيذه .
نطاق مبدأ المعاملة بالمثل أو التبادل :
إذا أمعنا النظر في مفهوم شرط المعاملة بالمثل أو التبادل على النحو المتقدم نجد بأنه لا معاملة بالمثل ولا تبادل فيما يتعلق بالإجراءات الواجب اتباعها عند التقدم بطلب إصدار الأمر بالتنفيذ ، لأن تلك الإجراءات تدخل ضمن قواعد المرافعات ، فتخضع لقانون القاضي الذي ينظر في طلب التنفيذ ([12]) ، كما أن شرط المعاملة بالمثل أو التبادل لا يتناول الجهة القضائية المختصة بإصدار الأمر بالتنفيذ ([13]) ، فهي قد تكون في دولة معينة قاضي الأمور الوقتية ، وقد تكون في دولة أخرى قاضي التنفيذ ، وقد تكون في دولة ثالثة رئيس المحكمة الابتدائية التابع لها المحكوم عليه وهكذا … فاختلاف هذه الجهات والإجراءات الواجب اتباعها أمامها لا يعني عدم قيام شرط المعاملة بالمثل أو الإخلال به .
فشرط المعاملة بالمثل لا يطبق فحسب في تنفيذ الأحكام القضائية الأجنبية بل يطبق أيضاً في تنفيذ الأوامر الأجنبية ، وفى تنفيذ أحكام المحكمين ، وفى تنفيذ السندات الأجنبية ويتعين على المحكمة المطلوب إليها إصدار الأمر بالتنفيذ ، أن تتحقق من تلقاء نفسها من توافر شرط المعاملة بالمثل أو التبادل ([14]) .
وأما عن تحديد الوقت الذي يعتد فيه بتوافر شرط المعاملة بالمثل أو التبادل من عدمه فقد تعرض القضاء الألماني لهذه المشكلة ، وقرر وجوب التفرقة بين ما إذا كان صاحب المصلحة قد طلب تنفيذ الحكم الأجنبي في ألمانيا ، أو أنه قد تمسك فقط بحيازة هذا الحكم لحجية الشيء المقضي به ، ففي حالة طلب تنفيذ الحكم الأجنبي ، يتعين أن يكون شرط المعاملة بالمثل أو التبادل متوافراً عند التقدم بطلب التنفيذ ، أما إذا كان المحكوم له قد تمسك بحجية الحكم الأجنبي ، فيكفي أن يكون شرط المعاملة بالمثل أو التبادل قد توافر عند تمتع الحكم الأجنبي بهذه الصفة ( حجية الشيء المحكوم به ) في الدولة الأجنبية ([15]) . إلا أنه لا يمكن التسليم بما ذهب إليه القضاء الألماني ، لأن التفرقة التي قال بها ستؤدي إلى نتائج غير مقبولة ، إذ أنه من المتصور وفقاً لهذا الاتجاه أن يتمتع الحكم الأجنبي بحجية الشيء المقضي به ، إذا كان شرط المعاملة بالمثل أو التبادل متوافراً عند صدور الحكم أو صيرورته نهائياً ، بينما لا يصح تنفيذ هذا الحكم ما دام أن شرط المعاملة بالمثل أو التبادل لم يعد متوافراً عند طلب التنفيذ ، ويؤدي ذلك إلى إنكار العدالة ، لأن المحكوم له لن يستطيع تنفيذ الحكم الأجنبي لتخلف شرط المعاملة بالمثل أو التبادل ، في الوقت الذي لن يتمكن فيه من رفع دعوى جديدة ، لوقوف حجية الحكم الأجنبي حائلاً يمنعه من تجديد النزاع مرة أخرى ([16]) لذلك فإن العبرة بتوافر شرط المعاملة بالمثل عند التمسك بحجية الحكم الأجنبي أو عند الأمر بتنفيذه ، لأن حجية الشيء المقضي به والقوة التنفيذية هما مظهران لنفاذ الحكم ، وإن كان الأول مظهراً سلبياً ، والثاني مظهراً إيجابياً ([17]) .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ، هل يمتد شرط المعاملة بالمثل أو التبادل ليتناول الشروط الخارجية للحكم الأجنبي ؟
باعتبار أن هناك بعض القوانين تنص على شرط المعاملة بالمثل أو التبادل لتنفيذ الحكم الأجنبي ، وتنص في ذات الوقت على ضرورة توافر شروط أخرى لتنفيذ ذلك الحكم الأجنبي كما هو الحال في القانون المصري عندما نص في المادة 296 مرافعات على أنه " يجوز للقاضي المصري أن يأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي بنفس الشروط التي يقررها قانون الدولة الصادر منها هذا الحكم لتنفيذ الأحكام المصرية فيه " ، وفى ذات الوقت نص في المادة 298 مرافعات على أنه " لا يجوز للقاضي المصري أن يأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي إلا بعد التحقق من توافر شروط معينة تم تعدادها في صدر هذه المادة " .
ذهب شراح القانون الدولي الخاص المصرين في الإجابة على هذا التساؤل لتبرير موقف واضعي القانون المصري إلى القول بأنه : يجب أن يفسر ذلك على أنه مزج بين مبدأ الرقابة ومبدأ المعاملة بالمثل ، ولهذا يمكن القول أن الشروط التي عددها القانون المصري في المادة 298 مرافعات ، هي الشروط الخارجية أو الأساسية التي تمثل الحد الأدنى الذي يلتزم القاضي المصري بالتحقق من توافره طبقاً لمبدأ المراقبة ، ولا يصح له النزول عنها ولو بمقتضى مبدأ المعاملة بالمثل بمعنى أنه لو كان قانون الدولة الأجنبية الصادر منها الحكم المراد تنفيذه في مصر يضع شروطاً أقل لتنفيذ الأحكام المصرية في تلك الدولة الأجنبية أو أنه لا يستلزم أي شرط في هذا الشأن ، فالقاضي المصري ملزم بالرغم من ذلك بمراقبة الحد الأدنى من الشروط الواردة بالمادة 298 مرافعات ، أما في الحالة العكسية حين يتطلب قانون الدولة الأجنبية شروطاً أخرى تزيد أو تختلف عن ذلك الحد الأدنى فعلى القاضي المصري أن يضيف هذه الشروط الأخرى التي يمليها مبدأ المعاملة بالمثل على الحد الأدنى ([18]) .
ومثل هذا التفسير تقضيه ضرورة مزج مبدأ المعاملة بالمثل بالشروط الأخرى التي تمثل حداً أدنى لما يلزم توافره في الحكم الأجنبي ، ولا يهم بعد ذلك وصف النظام القائم في الدولة الأخرى في شأن تنفيذ الأحكام الأجنبية فيها ، لذلك فإن مبدأ المعاملة بالمثل يكون قائماً حين يطلب من القاضي المصري تنفيذ حكم إنجليزي لأن القانون الإنجليزي يجيز تنفيذ الحكم المصري من حيث المبدأ مع أخذه بنظام الدعوى الجديدة ، فيعتبر الحكم المصري دليلاً قاطعاً على ثبوت الحق بمقتضاه بالرغم من أن القاضي المصري يتحقق من شروط الحد الأدنى الواجب توفرها في الحكم الإنجليزي ([19]) ، فبالرغم من اختلاف الوسيلة المتبعة فإنها توصل إلى نفس النتيجة ([20]) .
تقدير مبدأ المعاملة بالمثل أو التبادل :
إن مبدأ أو شرط المعاملة بالمثل أو التبادل بصورته المذكورة مأخوذ به في بعض الدول ويدعو إلى الأخذ به فريق من شراح القانون الدولي الخاص المعاصرين ، وقد أخذت به لجنة تنقيح القانون المدني الفرنسي ، والظاهر أن القانون المصري نقله عن القانون الألماني ، و يمكن أن يقال في الدفاع عن هذا المبدأ ، أن من شأن الأخذ به بالنسبة للدول التي تأخذ به أن تحمل الدول الأخرى على تنفيذ الأحكام الصادرة من محاكم الأولى في أقاليم هذه الأخيرة ([21])
وهذا الدفاع لا يخلو من النقد ويتضح ذلك من خلال التالي :-
يعاب على مبدأ المعاملة بالمثل أنه يقوم على معنى سياسي ، باعتباره وسيلة زجر للدول التي لا تعترف بأحكام الدول الأخذة بهذا المبدأ ، إذ أنه بمثابة محاولة لإكراه هذه الدول على تعديل موقفها وقبول الاعتراف والسماح بتنفيذ الحكم الأجنبي ، وهذا المعنى السياسي لا يلتفت إلى حاجة المعاملات الدولية ، التي تقتضي تمكين صاحب المصلحة في الوصول إلى حقه ، بغض النظر عن موقف الدولة التي صدر عنها هذا الحكم ([22]) .
صعوبة رجوع القاضي المطلوب منه إصدار الأمر بالتنفيذ إلى القوانين الأجنبية للتأكد من قبول تنفيذها للأحكام الوطنية الصادرة من محاكم هذا القاضي ([23]) .
إن الأخذ بمبدأ المعاملة بالمثل قد يؤدي إلى تحايل الدول لإمكان تنفيذ أحكامها لدى الدول التي تأخذ به ، فقد حدث وأن صدر قانون في أمريكا في ولاية كاليفورنيا بالأخذ بمبدأ المعاملة بالمثل أو التبادل ، بهدف تنفيذ الأحكام الأمريكية في ألمانيا ، والصادرة ضد شركات التأمين الألمانية بعد زلزال وحريق مدينة سان فرانسيسكو عام 1906م ، وذلك نظراً لاشتراط القانون الألماني لمبدأ المعاملة بالمثل أو التبادل لتنفيذ الأحكام الأجنبية ولكن المحاكم الألمانية رفضت تنفيذ هذه الأحكام ، لأن مبدأ المعاملة بالمثل كان وارداً في قانون ولاية كاليفورنيا عند حدوث الكارثة ، ولم يكن وارداً في قانون ولاية سان فرانسسكو ([24]) .
إنه ليس من مصلحة شعوب الدول دائماً أن تعلق دولهم تنفيذ الحكم الأجنبي على مبدأ المعاملة بالمثل أو التبادل ، لأنه لو حصل أحد المصريين على حكم من محكمة إيطالية ضد أحد الإيطاليين ، وأراد تنفيذ هذا الحكم على أموال الإيطالي الموجودة بمصر ، فإن القاضي المصري سيرفض تنفيذ الحكم إذا لم تكن المحاكم الإيطالية تنفذ الأحكام المصرية ، فإذا أمعنا النظر لوجدنا أن رفض تنفيذ الحكم الإيطالي لم يضر بأي مصلحة أجنبية ، بل أضر بالمصلحة المصرية ، حيث أضر بمصلحة الدائن المصري الذي لم يستطع الحصول على دينه من مدينة الإيطالي ([25]) .
إن شرط المعاملة بالمثل أو التبادل لا يكفل للدولة تحقيق العدالة دائماً وإن الأحكام الأجنبية التي ستنفذ بناء على هذا الشرط أحكام سليمة وجديرة بالتنفيذ فالأمر قد يكون على العكس من ذلك ، ويحدث عندما تعترف دولة غير متحضرة ذات قضاء غير نزيه بالأحكام الأجنبية الصادرة من دولة ما ، حتى تعترف تلك الدولة بأحكامها ، في حين أن الأخيرة قد ترفض تنفيذ أحكام دولة أخرى معروف قضاؤها بالنزاهة والعدل ، لأن هذه الدولة المراد تنفيذ حكمها لا تعترف بأحكامها .
ولعل من أهم ما وجه إلى هذا المبدأ من نقد ، قيامه على اعتبارات سياسية والتي يجب أن تكون بمنأى عن الروابط القانونية المتعلقة بحقوق الأفراد ، فمسألة جواز تنفيذ الأحكام الأجنبية أو عدم جوازها ، هي مسألة يجب أن تقدرها الدول وفق ما تراه محققاً للعدالة ، وأن فكرة المجاملة الدولية التي تبرر قيام مثل هذا المبدأ ، لم تعد صالحة كقاعدة من قواعد القانون الدولي الخاص ([26]) ، ولهذا فنحن نعتقد أن قوانين الدول التي نصت على هذا المبدأ لم يجانبها الصواب([27]) .
([1]) ويرى البعض أن شرط المعاملة بالمثل يختلف عن شرط التبادل ، حيث أن شرط المعاملة بالمثل هو الوسيلة الفنية التي قد تأخذ بها الدولة في قانونها الداخلي كشرط من شروط تنفيذ الأحكام الأجنبية ، فشرط المعاملة بالمثل وإن كان يحمل معنى التبادل أو ينطوي على إبراز للطابع الدولي لمسألة تنفيذ الأحكام الأجنبية ، فإنه ما يزال وسيلة فنية داخلية تأخذ بها قوانين الدول أو ترفضها بحسب تقديرها ، أما شرط التبادل فهو الوسيلة الفنية الدولية التي على أساسها تعقد الدولة مع غيرها من الدول اتفاقيات أو معاهدات دولية في شأن تنفيذ الأحكام بين الدول المتعاقدة على وجه التبادل . أحمد قسمت الجداوى ، المرجع السابق ، 197 .
([2]) فؤاد عبد المنعم رياض ، وساميه راشد ، الوسيط في القانون الدولي الخاص ، ( القاهرة : دار النهضة العربية ، 1979م ) ، 554 .
عز الدين عبد الله ، القانون الدولي الخاص ، مرجع سابق ، 888 .
([3]) على الزيني ، المرجع السابق ، 100 .
([4]) لذلك قضت المحاكم المصرية المختلطة أنه يجب عند تقدير المعاملة بالمثل التي يلقاها الحكم المصري في الخارج أن ينظر إلى الرأي المتبع عملاً أمام المحاكم في البلد الذي صدر فيه الحكم ، لا إلى ما يصبو إليه الشراح النظريون في هذا البلد أو غيره ، ولا إلى ما جرى عليه العمل في غيرة . المرجع السابق ، 100
([5]) نقلاً عن على الزيني ، المرجع السابق ، 100 .
([6]) لم يعالج القانون السويدي آثار الحكم الأجنبي بنص صريح ، ويجري القضاء على أن الحكم الأجنبي لا يتمتع في السويد بقوة التنفيذ وحجية الأمر المقضي ، ويستثنى من هذا الأثر الثاني الأحكام المنشئة وهي غالباً الأحكام الخاصة بالحالة والأهلية .
نقلاً عن عز الدين عبد الله ، القانون الدولي الخاص ، مرجع سابق ، 875 .
([7]) هشام صادق ، دروس في تنازع الاختصاص القضائي الدولي ، مرجع سابق ، 169 .
محمد كمال فهمي ، المرجع السابق ، 669 .
([8]) ولكن قد يحدث أن يشترط قانون الدولة المراد فيها تنفيذ الحكم الأجنبي أن تكون الأحكام الصادرة عن محاكمها هي الأخرى قابلة للتنفيذ في الدولة المراد تنفيذ حكمها ، فهنا نقع في حلقة مفرغة ، لأن كل طرف ينتظر أن يبدأ الطرف الآخر بالتنفيذ ، وللخروج من هذا المأزق جرى العمل على اعتبار مبدأ التبادل متوافر في مثل هذه الحالة . فؤاد عبد المنعم رياض وسامية راشد ، الوسيط في القانون الدولي الخاص ، مرجع سابق ، 455 .
([9]) المرجع سابق ، 455- 456 .
([10]) محمد كمال فهمي ، المرجع السابق ، 672 .
([11]) عز الدين عبد الله ، القانون الدولي الخاص ، مرجع سابق ، 893 .
([12]) حامد زكي ، المرجع السابق ، 453 .
([13]) عز الدين عبد الله ، القانون الدولي الخاص ، مرجع سابق ، 892 .
([14]) المرجع السابق ، 893 .
([15]) هشام صادق ، دروس في تنازع الاختصاص القضائي الدولي ، مرجع سابق ، 173 .
([16]) المرجع السابق ، 174 .
([17]) المرجع السابق ، 174 .
([18]) أحمد قسمت الجداوي ، المرجع السابق ، 199 .
حامد زكي ، المرجع السابق ، 454 – 455 .
([19]) أحمد قسمت الجداوى ، المرجع السابق ، 200 .
([20]) وقد سار القضاء المصري فعلاً على هذا النهج في بعض أحكامه ، فقد حكمت المحاكم المختلطة بأن هناك تبادلا بين مصر وإنجلترا بشأن تنفيذ الأحكام الأجنبية ، بالرغم من أن المحاكم الإنجليزية تتبع وسيلة مختلفة لتنفيذ الأحكام المصرية . فؤاد عبد المنعم رياض ، وسامية راشد ، الوسيط في القانون الدولي الخاص ، مرجع سابق ، 500 .
([21]) عز الدين عبد الله ، القانون الدولي الخاص ، مرجع سابق ، 894 .
([22]) أحمد قسمت الجداوى ، المرجع السابق ، 201 .
([23]) بدر الدين عبد المنعم شوقي ، المرجع السابق ، 483 .
([24]) نقلاً عن المرجع السابق ، 484 .
فؤاد عبد المنعم رياض وسامية راشد ، الوسط في القانون الدولي الخاص ، مرجع سابق ، 456 .
([25]) المرجع السابق ، 456 .
([26]) هشام صادق ، دروس في تنازع الاختصاص القضائي الدولي ، مرجع سابق ، 178 .
([27]) ونحن نتعجب من موقف القانون المصري الذي نص على هذا المبدأ ، ولم يلتفت إلى أوجه النقد الموجه إليه ، وذهابه إلى أبعد من ذلك عند نقله لهذا المبدأ عن القانون الألماني دون أن يأخذ بالقيود التي أوردها القانون الألماني نفسه على هذا المبدأ ، فبالرغم من أن القانون الألماني قد نص على هذا المبدأ في المادة 328 من قانون المرافعات ، إلا أنه قد أباح مع ذلك الاعتراف بآثار الأحكام الأجنبية رغم تخلف مبدأ المعاملة بالمثل ، إذا كان النزاع يتعلق بحقوق غير مالية ، أو لم تكن هناك محكمة ألمانية مختصة بذلك وفقاً للقانون الألماني . المرجع السابق ، 178 .
وهو ما يعرف بشرط المعاملة بالمثل أو التبادل ([1]) ، ومقتضى هذا المبدأ أن المحاكم الوطنية لدولة ما ، لا تقبل الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي إلا إذا كانت المحاكم الأجنبية التي أصدرت هذا الحكم تقبل تنفيذ الأحكام الصادرة من قبل محاكم هذه الدولة بنفس القدر وفى نفس الحدود ([2]) .
وهذا يعني أن مبدأ المعاملة بالمثل ما هو إلا خطة تتبعها محاكم الدول إزاء بعضها البعض ، بمناسبة تنفيذ أحكام كل منها في بلاد الأخرى ، ويجب أن نلاحظ أن مبدأ المعاملة بالمثل يجب أن يطبق في أضيق معانية ، فيجب النظر إلى معاملة المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم المراد تنفيذه في دولة ما ، لحكم هذه الدولة الصادر في نفس الظروف إذا ما أريد تنفيذه في تلك الدولة الأجنبية ، فإذا كانت تلك الدولة الأجنبية لا تحترمه في ظل تلك الظروف وجب على محكمة الدولة المطلوب إليها إصدار الأمر بتنفيذه ، ألا تحترم ذلك الحكم الأجنبي المراد تنفيذه ولا أهمية لكونها قد تحترم أحكاماً أخرى في ظروف أخرى ([3]) ،([4]) .
ومثال ذلك المحاكم الإنجليزية فهي لا تراجع موضوع الأحكام الأجنبية كقاعدة عامة وإنما تراجعها ، إذا ادعى المحكوم عليه أن الحكم تم الحصول عليه بناء على غش المدعي أو المحكمة التي أصدرته ، لذلك يجب على المحكمة المطلوب منها إصدار الأمر بتنفيذ حكم أجنبي إنجليزي ، أن تراجعه إذا ادعى المحكوم عليه أمامها بحصول غش ، كذلك المحاكم الإيطالية فهي تعمل على مراجعة الأحكام الأجنبية المطلوب تنفيذها في إيطاليا ، والصادرة في غيبة المدعى عليه إذا طلب ذلك المدعى عليه ، لذلك يجب على محاكم الدول التي يقدم إليها أحكاماً إيطالية لتنفيذها ، أن تراجعها إذا طلب المدعى عليه ذلك ، وأبدى أسباباً وجيهة تجعل من نقض الحكم الغيابي أمراً محتملاً ([5]) .
كذلك محاكم الدول الاسكندنافية ([6]) ، فإنها تشترط رفع دعوى جديدة لتقرير الحق المحكوم به من القضاء الأجنبي ، حيث يقدم الحكم الأجنبي كدليل قابل لإثبات العكس ، لذلك يتعين على محاكم الدول الأخرى ، إذا طلب منها تنفيذ حكم صادر من إحدى محاكم هذه الدول أن ترفض التنفيذ ، ويكون للمحكوم له أن يرفع دعوى جديدة أمام القضاء للمطالبة بحقه ، وإن كان بعضها نص على إجازة عقد معاهدة دولية يتفق فيها على تنفيذ الحكم الأجنبي ([7]) .
ومما سبق يتضح لنا أن تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل على النحو المتقدم ، لا يكون على درجة واحدة ، لأن الأحكام الأجنبية المراد تنفيذها لا تعامل على درجة واحدة ، فتختلف باختلاف البلاد التي صدرت فيها ، وما تلقاه أحكام محاكم هذه البلاد من معاملة إذا ما أريد تنفيذها في بلاد أخرى .
وقد اختلفت الدول من حيث تقريرها لكيفية التحقق من وجود التبادل ، فمنها من يشترط أن يكون التبادل دبلوماسـياً ، ومنها من يشترط أن يكون التبادل تشريعياً ، ومنها من يشترط أن يكـون التبادل واقعياً .
والتبادل الدبلوماسي : هو التبادل المنصوص عليه في معاهدة معقودة بين دولتين أو أكثر ، بمعنى أنه إذا وجد نص في المعاهدة يقضي بضرورة تنفيذ محاكم كل دولة للأحكام الصادرة من محاكم الدول الأخرى ، فإنه يتعين على القاضي الوطني في هذه الحالة أن ينفذ الحكم الأجنبي .
والتبادل التشريعي : هو التبادل المنصوص عليه في قانون الدول ، بمعنى أنه لا تقوم محاكم الدول بتنفيذ الأحكام الأجنبية ، إلا إذا كان قانون هذه الدول يتضمن نصاً يسمح بتنفيذ تلك الأحكام الأجنبية ([8]) .
أما التبادل الواقعي : فهو التبادل الذي يقوم على ما يجري عليه العمل فعلاً في الواقع أمام القضاء الأجنبي ، أي عدم قبول تنفيذ الأحكام الأجنبية في دولة ما إلا إذا كانت تلك الدولة الأجنبية المراد تنفيذ حكمها ، تسمح بتنفيذ الحكم الصادر عن محاكم الدولة الأولى المطلوب إليها إصدار الأمر بالتنفيذ ، فلا ينظر إلى وجود معاهدة أو نص قانوني لإثبات توافر التبادل ، بل ينظر إلى ما يجري عليه العمل في الواقع ([9]) .
ويرى البعض أن التبادل التشريعي أكثر ضماناً وأوضح معالماً من التبادل الواقعي ([10]) بينما يرى البعض الآخر أن التبادل التشريعي لا يكفي وحده لقيام التبادل ، لأنه قد يحدث أن تكون نصوص القانون الخاص بتنفيذ الأحكام الأجنبية معطلة عن التطبيق في البلد الأجنبي بعكس التبادل الواقعي فهو يكفي وحدة لقيام التبادل ، ولو لم يكن قانون البلد الأجنبي يكفل من خلال نصوصه تنفيذ الأحكام الأجنبية ([11]) .
ويجب أن نلاحظ أن العبرة في تقدير قيام التبادل لا يرجع إلى الدولة التابع لها الخصوم بل يرجع إلى الدولة التي صدر عنها الحكم المراد تنفيذه .
نطاق مبدأ المعاملة بالمثل أو التبادل :
إذا أمعنا النظر في مفهوم شرط المعاملة بالمثل أو التبادل على النحو المتقدم نجد بأنه لا معاملة بالمثل ولا تبادل فيما يتعلق بالإجراءات الواجب اتباعها عند التقدم بطلب إصدار الأمر بالتنفيذ ، لأن تلك الإجراءات تدخل ضمن قواعد المرافعات ، فتخضع لقانون القاضي الذي ينظر في طلب التنفيذ ([12]) ، كما أن شرط المعاملة بالمثل أو التبادل لا يتناول الجهة القضائية المختصة بإصدار الأمر بالتنفيذ ([13]) ، فهي قد تكون في دولة معينة قاضي الأمور الوقتية ، وقد تكون في دولة أخرى قاضي التنفيذ ، وقد تكون في دولة ثالثة رئيس المحكمة الابتدائية التابع لها المحكوم عليه وهكذا … فاختلاف هذه الجهات والإجراءات الواجب اتباعها أمامها لا يعني عدم قيام شرط المعاملة بالمثل أو الإخلال به .
فشرط المعاملة بالمثل لا يطبق فحسب في تنفيذ الأحكام القضائية الأجنبية بل يطبق أيضاً في تنفيذ الأوامر الأجنبية ، وفى تنفيذ أحكام المحكمين ، وفى تنفيذ السندات الأجنبية ويتعين على المحكمة المطلوب إليها إصدار الأمر بالتنفيذ ، أن تتحقق من تلقاء نفسها من توافر شرط المعاملة بالمثل أو التبادل ([14]) .
وأما عن تحديد الوقت الذي يعتد فيه بتوافر شرط المعاملة بالمثل أو التبادل من عدمه فقد تعرض القضاء الألماني لهذه المشكلة ، وقرر وجوب التفرقة بين ما إذا كان صاحب المصلحة قد طلب تنفيذ الحكم الأجنبي في ألمانيا ، أو أنه قد تمسك فقط بحيازة هذا الحكم لحجية الشيء المقضي به ، ففي حالة طلب تنفيذ الحكم الأجنبي ، يتعين أن يكون شرط المعاملة بالمثل أو التبادل متوافراً عند التقدم بطلب التنفيذ ، أما إذا كان المحكوم له قد تمسك بحجية الحكم الأجنبي ، فيكفي أن يكون شرط المعاملة بالمثل أو التبادل قد توافر عند تمتع الحكم الأجنبي بهذه الصفة ( حجية الشيء المحكوم به ) في الدولة الأجنبية ([15]) . إلا أنه لا يمكن التسليم بما ذهب إليه القضاء الألماني ، لأن التفرقة التي قال بها ستؤدي إلى نتائج غير مقبولة ، إذ أنه من المتصور وفقاً لهذا الاتجاه أن يتمتع الحكم الأجنبي بحجية الشيء المقضي به ، إذا كان شرط المعاملة بالمثل أو التبادل متوافراً عند صدور الحكم أو صيرورته نهائياً ، بينما لا يصح تنفيذ هذا الحكم ما دام أن شرط المعاملة بالمثل أو التبادل لم يعد متوافراً عند طلب التنفيذ ، ويؤدي ذلك إلى إنكار العدالة ، لأن المحكوم له لن يستطيع تنفيذ الحكم الأجنبي لتخلف شرط المعاملة بالمثل أو التبادل ، في الوقت الذي لن يتمكن فيه من رفع دعوى جديدة ، لوقوف حجية الحكم الأجنبي حائلاً يمنعه من تجديد النزاع مرة أخرى ([16]) لذلك فإن العبرة بتوافر شرط المعاملة بالمثل عند التمسك بحجية الحكم الأجنبي أو عند الأمر بتنفيذه ، لأن حجية الشيء المقضي به والقوة التنفيذية هما مظهران لنفاذ الحكم ، وإن كان الأول مظهراً سلبياً ، والثاني مظهراً إيجابياً ([17]) .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ، هل يمتد شرط المعاملة بالمثل أو التبادل ليتناول الشروط الخارجية للحكم الأجنبي ؟
باعتبار أن هناك بعض القوانين تنص على شرط المعاملة بالمثل أو التبادل لتنفيذ الحكم الأجنبي ، وتنص في ذات الوقت على ضرورة توافر شروط أخرى لتنفيذ ذلك الحكم الأجنبي كما هو الحال في القانون المصري عندما نص في المادة 296 مرافعات على أنه " يجوز للقاضي المصري أن يأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي بنفس الشروط التي يقررها قانون الدولة الصادر منها هذا الحكم لتنفيذ الأحكام المصرية فيه " ، وفى ذات الوقت نص في المادة 298 مرافعات على أنه " لا يجوز للقاضي المصري أن يأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي إلا بعد التحقق من توافر شروط معينة تم تعدادها في صدر هذه المادة " .
ذهب شراح القانون الدولي الخاص المصرين في الإجابة على هذا التساؤل لتبرير موقف واضعي القانون المصري إلى القول بأنه : يجب أن يفسر ذلك على أنه مزج بين مبدأ الرقابة ومبدأ المعاملة بالمثل ، ولهذا يمكن القول أن الشروط التي عددها القانون المصري في المادة 298 مرافعات ، هي الشروط الخارجية أو الأساسية التي تمثل الحد الأدنى الذي يلتزم القاضي المصري بالتحقق من توافره طبقاً لمبدأ المراقبة ، ولا يصح له النزول عنها ولو بمقتضى مبدأ المعاملة بالمثل بمعنى أنه لو كان قانون الدولة الأجنبية الصادر منها الحكم المراد تنفيذه في مصر يضع شروطاً أقل لتنفيذ الأحكام المصرية في تلك الدولة الأجنبية أو أنه لا يستلزم أي شرط في هذا الشأن ، فالقاضي المصري ملزم بالرغم من ذلك بمراقبة الحد الأدنى من الشروط الواردة بالمادة 298 مرافعات ، أما في الحالة العكسية حين يتطلب قانون الدولة الأجنبية شروطاً أخرى تزيد أو تختلف عن ذلك الحد الأدنى فعلى القاضي المصري أن يضيف هذه الشروط الأخرى التي يمليها مبدأ المعاملة بالمثل على الحد الأدنى ([18]) .
ومثل هذا التفسير تقضيه ضرورة مزج مبدأ المعاملة بالمثل بالشروط الأخرى التي تمثل حداً أدنى لما يلزم توافره في الحكم الأجنبي ، ولا يهم بعد ذلك وصف النظام القائم في الدولة الأخرى في شأن تنفيذ الأحكام الأجنبية فيها ، لذلك فإن مبدأ المعاملة بالمثل يكون قائماً حين يطلب من القاضي المصري تنفيذ حكم إنجليزي لأن القانون الإنجليزي يجيز تنفيذ الحكم المصري من حيث المبدأ مع أخذه بنظام الدعوى الجديدة ، فيعتبر الحكم المصري دليلاً قاطعاً على ثبوت الحق بمقتضاه بالرغم من أن القاضي المصري يتحقق من شروط الحد الأدنى الواجب توفرها في الحكم الإنجليزي ([19]) ، فبالرغم من اختلاف الوسيلة المتبعة فإنها توصل إلى نفس النتيجة ([20]) .
تقدير مبدأ المعاملة بالمثل أو التبادل :
إن مبدأ أو شرط المعاملة بالمثل أو التبادل بصورته المذكورة مأخوذ به في بعض الدول ويدعو إلى الأخذ به فريق من شراح القانون الدولي الخاص المعاصرين ، وقد أخذت به لجنة تنقيح القانون المدني الفرنسي ، والظاهر أن القانون المصري نقله عن القانون الألماني ، و يمكن أن يقال في الدفاع عن هذا المبدأ ، أن من شأن الأخذ به بالنسبة للدول التي تأخذ به أن تحمل الدول الأخرى على تنفيذ الأحكام الصادرة من محاكم الأولى في أقاليم هذه الأخيرة ([21])
وهذا الدفاع لا يخلو من النقد ويتضح ذلك من خلال التالي :-
يعاب على مبدأ المعاملة بالمثل أنه يقوم على معنى سياسي ، باعتباره وسيلة زجر للدول التي لا تعترف بأحكام الدول الأخذة بهذا المبدأ ، إذ أنه بمثابة محاولة لإكراه هذه الدول على تعديل موقفها وقبول الاعتراف والسماح بتنفيذ الحكم الأجنبي ، وهذا المعنى السياسي لا يلتفت إلى حاجة المعاملات الدولية ، التي تقتضي تمكين صاحب المصلحة في الوصول إلى حقه ، بغض النظر عن موقف الدولة التي صدر عنها هذا الحكم ([22]) .
صعوبة رجوع القاضي المطلوب منه إصدار الأمر بالتنفيذ إلى القوانين الأجنبية للتأكد من قبول تنفيذها للأحكام الوطنية الصادرة من محاكم هذا القاضي ([23]) .
إن الأخذ بمبدأ المعاملة بالمثل قد يؤدي إلى تحايل الدول لإمكان تنفيذ أحكامها لدى الدول التي تأخذ به ، فقد حدث وأن صدر قانون في أمريكا في ولاية كاليفورنيا بالأخذ بمبدأ المعاملة بالمثل أو التبادل ، بهدف تنفيذ الأحكام الأمريكية في ألمانيا ، والصادرة ضد شركات التأمين الألمانية بعد زلزال وحريق مدينة سان فرانسيسكو عام 1906م ، وذلك نظراً لاشتراط القانون الألماني لمبدأ المعاملة بالمثل أو التبادل لتنفيذ الأحكام الأجنبية ولكن المحاكم الألمانية رفضت تنفيذ هذه الأحكام ، لأن مبدأ المعاملة بالمثل كان وارداً في قانون ولاية كاليفورنيا عند حدوث الكارثة ، ولم يكن وارداً في قانون ولاية سان فرانسسكو ([24]) .
إنه ليس من مصلحة شعوب الدول دائماً أن تعلق دولهم تنفيذ الحكم الأجنبي على مبدأ المعاملة بالمثل أو التبادل ، لأنه لو حصل أحد المصريين على حكم من محكمة إيطالية ضد أحد الإيطاليين ، وأراد تنفيذ هذا الحكم على أموال الإيطالي الموجودة بمصر ، فإن القاضي المصري سيرفض تنفيذ الحكم إذا لم تكن المحاكم الإيطالية تنفذ الأحكام المصرية ، فإذا أمعنا النظر لوجدنا أن رفض تنفيذ الحكم الإيطالي لم يضر بأي مصلحة أجنبية ، بل أضر بالمصلحة المصرية ، حيث أضر بمصلحة الدائن المصري الذي لم يستطع الحصول على دينه من مدينة الإيطالي ([25]) .
إن شرط المعاملة بالمثل أو التبادل لا يكفل للدولة تحقيق العدالة دائماً وإن الأحكام الأجنبية التي ستنفذ بناء على هذا الشرط أحكام سليمة وجديرة بالتنفيذ فالأمر قد يكون على العكس من ذلك ، ويحدث عندما تعترف دولة غير متحضرة ذات قضاء غير نزيه بالأحكام الأجنبية الصادرة من دولة ما ، حتى تعترف تلك الدولة بأحكامها ، في حين أن الأخيرة قد ترفض تنفيذ أحكام دولة أخرى معروف قضاؤها بالنزاهة والعدل ، لأن هذه الدولة المراد تنفيذ حكمها لا تعترف بأحكامها .
ولعل من أهم ما وجه إلى هذا المبدأ من نقد ، قيامه على اعتبارات سياسية والتي يجب أن تكون بمنأى عن الروابط القانونية المتعلقة بحقوق الأفراد ، فمسألة جواز تنفيذ الأحكام الأجنبية أو عدم جوازها ، هي مسألة يجب أن تقدرها الدول وفق ما تراه محققاً للعدالة ، وأن فكرة المجاملة الدولية التي تبرر قيام مثل هذا المبدأ ، لم تعد صالحة كقاعدة من قواعد القانون الدولي الخاص ([26]) ، ولهذا فنحن نعتقد أن قوانين الدول التي نصت على هذا المبدأ لم يجانبها الصواب([27]) .
([1]) ويرى البعض أن شرط المعاملة بالمثل يختلف عن شرط التبادل ، حيث أن شرط المعاملة بالمثل هو الوسيلة الفنية التي قد تأخذ بها الدولة في قانونها الداخلي كشرط من شروط تنفيذ الأحكام الأجنبية ، فشرط المعاملة بالمثل وإن كان يحمل معنى التبادل أو ينطوي على إبراز للطابع الدولي لمسألة تنفيذ الأحكام الأجنبية ، فإنه ما يزال وسيلة فنية داخلية تأخذ بها قوانين الدول أو ترفضها بحسب تقديرها ، أما شرط التبادل فهو الوسيلة الفنية الدولية التي على أساسها تعقد الدولة مع غيرها من الدول اتفاقيات أو معاهدات دولية في شأن تنفيذ الأحكام بين الدول المتعاقدة على وجه التبادل . أحمد قسمت الجداوى ، المرجع السابق ، 197 .
([2]) فؤاد عبد المنعم رياض ، وساميه راشد ، الوسيط في القانون الدولي الخاص ، ( القاهرة : دار النهضة العربية ، 1979م ) ، 554 .
عز الدين عبد الله ، القانون الدولي الخاص ، مرجع سابق ، 888 .
([3]) على الزيني ، المرجع السابق ، 100 .
([4]) لذلك قضت المحاكم المصرية المختلطة أنه يجب عند تقدير المعاملة بالمثل التي يلقاها الحكم المصري في الخارج أن ينظر إلى الرأي المتبع عملاً أمام المحاكم في البلد الذي صدر فيه الحكم ، لا إلى ما يصبو إليه الشراح النظريون في هذا البلد أو غيره ، ولا إلى ما جرى عليه العمل في غيرة . المرجع السابق ، 100
([5]) نقلاً عن على الزيني ، المرجع السابق ، 100 .
([6]) لم يعالج القانون السويدي آثار الحكم الأجنبي بنص صريح ، ويجري القضاء على أن الحكم الأجنبي لا يتمتع في السويد بقوة التنفيذ وحجية الأمر المقضي ، ويستثنى من هذا الأثر الثاني الأحكام المنشئة وهي غالباً الأحكام الخاصة بالحالة والأهلية .
نقلاً عن عز الدين عبد الله ، القانون الدولي الخاص ، مرجع سابق ، 875 .
([7]) هشام صادق ، دروس في تنازع الاختصاص القضائي الدولي ، مرجع سابق ، 169 .
محمد كمال فهمي ، المرجع السابق ، 669 .
([8]) ولكن قد يحدث أن يشترط قانون الدولة المراد فيها تنفيذ الحكم الأجنبي أن تكون الأحكام الصادرة عن محاكمها هي الأخرى قابلة للتنفيذ في الدولة المراد تنفيذ حكمها ، فهنا نقع في حلقة مفرغة ، لأن كل طرف ينتظر أن يبدأ الطرف الآخر بالتنفيذ ، وللخروج من هذا المأزق جرى العمل على اعتبار مبدأ التبادل متوافر في مثل هذه الحالة . فؤاد عبد المنعم رياض وسامية راشد ، الوسيط في القانون الدولي الخاص ، مرجع سابق ، 455 .
([9]) المرجع سابق ، 455- 456 .
([10]) محمد كمال فهمي ، المرجع السابق ، 672 .
([11]) عز الدين عبد الله ، القانون الدولي الخاص ، مرجع سابق ، 893 .
([12]) حامد زكي ، المرجع السابق ، 453 .
([13]) عز الدين عبد الله ، القانون الدولي الخاص ، مرجع سابق ، 892 .
([14]) المرجع السابق ، 893 .
([15]) هشام صادق ، دروس في تنازع الاختصاص القضائي الدولي ، مرجع سابق ، 173 .
([16]) المرجع السابق ، 174 .
([17]) المرجع السابق ، 174 .
([18]) أحمد قسمت الجداوي ، المرجع السابق ، 199 .
حامد زكي ، المرجع السابق ، 454 – 455 .
([19]) أحمد قسمت الجداوى ، المرجع السابق ، 200 .
([20]) وقد سار القضاء المصري فعلاً على هذا النهج في بعض أحكامه ، فقد حكمت المحاكم المختلطة بأن هناك تبادلا بين مصر وإنجلترا بشأن تنفيذ الأحكام الأجنبية ، بالرغم من أن المحاكم الإنجليزية تتبع وسيلة مختلفة لتنفيذ الأحكام المصرية . فؤاد عبد المنعم رياض ، وسامية راشد ، الوسيط في القانون الدولي الخاص ، مرجع سابق ، 500 .
([21]) عز الدين عبد الله ، القانون الدولي الخاص ، مرجع سابق ، 894 .
([22]) أحمد قسمت الجداوى ، المرجع السابق ، 201 .
([23]) بدر الدين عبد المنعم شوقي ، المرجع السابق ، 483 .
([24]) نقلاً عن المرجع السابق ، 484 .
فؤاد عبد المنعم رياض وسامية راشد ، الوسط في القانون الدولي الخاص ، مرجع سابق ، 456 .
([25]) المرجع السابق ، 456 .
([26]) هشام صادق ، دروس في تنازع الاختصاص القضائي الدولي ، مرجع سابق ، 178 .
([27]) ونحن نتعجب من موقف القانون المصري الذي نص على هذا المبدأ ، ولم يلتفت إلى أوجه النقد الموجه إليه ، وذهابه إلى أبعد من ذلك عند نقله لهذا المبدأ عن القانون الألماني دون أن يأخذ بالقيود التي أوردها القانون الألماني نفسه على هذا المبدأ ، فبالرغم من أن القانون الألماني قد نص على هذا المبدأ في المادة 328 من قانون المرافعات ، إلا أنه قد أباح مع ذلك الاعتراف بآثار الأحكام الأجنبية رغم تخلف مبدأ المعاملة بالمثل ، إذا كان النزاع يتعلق بحقوق غير مالية ، أو لم تكن هناك محكمة ألمانية مختصة بذلك وفقاً للقانون الألماني . المرجع السابق ، 178 .